موقع ملتزم بالتحاكم إلى الكتاب والسنة على ضوء فهم السلف الصالح بعيداً عن التعصب

التوفيق بين حاجيات الوالدين ورضاهما وبين الخروج في سبيل الله

0 397

س1031:  أنا شاب منَّ الله علي بالالتزام منذ الصغر والتعرف على التوحيد ـ ثبتنا الله وإياكم عليه ـ وقد خرجت للجهاد في سبيل الله .. فأعتقلتني أجهزة الأمن، وعندما خرجت من السجن علمت بأن أهلي قد حزنوا علي حزناً عظيماً؛ حتى أن والدتي كادت أن تفقد عقلها لفقدي، وأنا أخشى بحق أن تموت والدتي أو أن تفقد عقلها إذا خرجت مرة أخرى للجهاد .. ويعلم الله يا شيخ أنني لا أقول ذلك هروباً من الجهاد ولا خوفا من الموت، فالموت في سبيل الله أسمى ما أتمنى، ولكني قرأت مرة أنه يعذر بعدم الخروج للجهاد من خشي عودة أبويه عن الإسلام أو زوال عقلهما .. فما قولك يا شيخ .. وهل من نصيحة تنصحني؟؟

          الجواب: الحمد لله رب العالمين. وردني كثير من الأسئلة نحو هذا السؤال .. كيف نوفق بين حاجيات الوالدين ورضاهما وبين الخروج للجهاد في سبيل الله .. وأي الواجبين نقدم على الآخر .. وهذا سؤال قد أجبت عنه أكثر من مرة .. وأعيد هنا فأقول: الأصل التوفيق بين جميع الواجبات .. وعدم ترك شيء منها أو جعل واجب مبرراً لترك واجب آخر .. فإن تعذّر ذلك ولا يمكن التوفيق قُدم الواجب المتعلق بحق الله تعالى والحق العام على الواجب المتعلق بالحق الخاص .. كما في قوله تعالى:) وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا (العنكبوت:8. وقال تعالى:) قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (التوبة:24.
          هذا هو الأصل .. وهذا هو الحكم العام .. ولكن هذا الحكم العام لا يمنع أن ننظر إلى الضرر الناتج عن التخلف عن الواجبين، وتقديم أقلهما ضرراً وأكثرهما نفعاً .. إذ هناك حالات استثنائية خاصة يعرفها المرء من نفسه وممن يعيش معهم .. لا يعرفها غيره .. قد يجد أن بقاءه عند أبويه .. وأن يقوم على خدمتهما ورعايتهما .. وخدمة غيرهما من المسلمين ممن يعول وغيرهم أكثر نفعاً وعطاء مما لو نفر إلى ساحات الجهاد .. فحينئذٍ عليه أن يُقدم الواجب الأكثر نفعاً .. ويدفع الأكثر منهما ضرراًً.
          ويُقال كذلك: ينبغي النظر إلى أي الساحات والأطراف أكثر حاجة إليه ويُمكن أن يُعطي وينفع فيها أكثر ـ بناء على ما يملك من خصائص ومقومات وصفات .. والمكان الذي يعيش فيه ـ ساحات الجهاد والقتال .. أم ساحات الدعوة إلى التوحيد والبناء .. وعلى ضوء ذلك يختار.
          ويُقال كذلك: ينبغي النظر إلى أكثر الواجبات استعجالاً وإلحاحاً .. وإلى أكثرهما احتمالاً للتأخير .. ولو كان تأخيراً نسبياً .. فيقدم الواجب المستعجل الاضطراري الذي لا يقبل التأخير .. على الواجب الذي يقبل نوع تأخير، مثال ذلك: رجل يتعين أن يأخذ أمه للمستشفى .. وأن يقوم على رعايتها إلى حين شفائها .. ولو أهملها أو تركها لماتت .. وفي نفس الوقت فُتح له باب الجهاد الواجب .. ولكن لو تأخر إلى حين شفاء أمه .. لا يتعطل الجهاد ولا يتوقف .. ولا تترتب عليه تلك المفسدة التي توازي مفسدة وفاة والدته لو تركها وأهملها .. ولو كان العكس؛ أي أن تلبية نداء الجهاد يكون أكثر استعجالاً وإلحاحاً .. بحيث أنه لا يقبل التأخير .. قُدم حينئذٍ الجهاد على ما سواه.
ويُقال كذلك: كلما كان وجود المرء أقرب إلى مواقع الجهاد وساحاته، كلما تأكد حكم وجوب النفير بحقه بخلاف البعيد والأبعد.
ويُقال كذلك: كلما تيسَّر الوصول إلى ساحات الجهاد ومواقعه كلما تأكد الوجوب وكان النفير أوكد على المرء .. بخلاف من لا يجد الطريق الآمن .. مجموع هذه الأمور لا بد من مراعاتها والنظر إليها عند تقديم واجب على واجب .. أو فعل على فعل عندما يستويان من حيث الوجوب .. ويصعب التوفيق بينهما .. بهذا أجيب عن سؤالك .. وعن كل من سأل نحو سؤالك .. وما أكثرهم، والله تعالى أعلم. 
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.