س982: استوقفني يا شيخ مقال منشور في موقع القناة العربية على الإنترنت تحت عنوان ” انتقد اعتزال الفن ولا للرقابة: عمرو خالد يثير غضب الفنانات التائبات “، ورَد فيه:” يجدر بالذكر أن عمرو خالد قد عارض في المحاضرة نفسها ـ أي محاضرته عن الفن ـ مبدأ الرقابة، وقال بأن الرقابة أمر مستحدث لأسباب سياسية وأمنية، طالباً بأن يترك للجميع كل وسائل التعبير عن آرائهم دون أي نوع من الرقابة أو المصادرة، ومؤكداً أن الحجة الأقوى ستفوز، وبعد بيان الحجة على الناس يصبح لهم الحق باتخاذ ما يريدون على مسؤوليتهم ) فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (، واستدل عمرو خالد على رأيه هذا بالآية الكريمة ) فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ (. ا- هـ. .. فما قولكم في ذلك وجزاكم الله خيراً؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. أرى أن هذا الرجل قد طغى وتمادى .. وأخذته العزة بالنفس والإثم .. ويأبى إلا أن تُقشر له العصا .. فكلامه المنقول عنه أعلاه لا يمكن أن يُصنف إلا في خانة الكفر والزندقة والإباحية، وبيان ذلك من أوجه:
منها: أن كلامه أعلاه معناه حرية الكفر والإلحاد والفسوق والفجور .. والأفلام والمسلسلات الداعرة في بلاد المسلمين .. إذ لا يجوز أن يخضع شيء من ذلك للرقابة والمصادرة كما قال!
فكلامه أعلاه تجاوز حد الرضى بالكفر والفجور والإلحاد إلى حد الدعوة إليه والاعتراف بشرعيته وحقه .. وضرورة حمايته وعدم إلغائه .. والقاعدة المتفق عليها، والتي دلت عليها عشرات النصوص الشرعية تقول:” الرضى بالكفر كفر “.
ومنها: أن قوله ” وبعد بيان الحجة على الناس يصبح لهم الحق باتخاذ ما يريدون على مسؤوليتهم ” هو موجه لجميع الناس من دون استثناء بما في ذلك المسلمين في ديارهم وبلادهم؛ إذ للمسلم ـ بعد أن منَّ الله عليه بنعمة الهداية والإسلام ـ كامل الحق والحرية في أن يعتقد ما يشاء، ويتدين بما يشاء من أديان باطلة، ويتخلق بالأخلاق التي يشاء ويريد .. وهذا يُصادم عشرات النصوص الشرعية التي تبين أن لا حرية للمسلم في أن يرتد عن دينه الإسلام إلى أي دين سواه .. بل ولا حرية له في أن يُمارس منكراً مما نص عليه الشارع بأنه منكر!
فعمرو خالد ـ بكلامه أعلاه ـ جعل الحقَّ باطلاً، والباطلَ حقاً!
ومنها: أن كلامه أعلاه يعني إلغاء مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي جاء به الإسلام ودلت عليه مئات النصوص الشرعية، فأمة الإسلام جُعلت خير أمة أخرجت للناس لكونها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ومتى تفقد الأمة خاصية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تفقد مباشرة خاصية الخيرية والأفضلية على بقية الأمم، كما قال تعالى:) كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (آل عمران:110. وقال تعالى:) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (آل عمران:104. وفي الحديث الصحيح:” فمن رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك
أضعف الإيمان “.
وقال صلى الله عليه وسلم:” مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قومٍ استهموا على سفينة في البحر، فأصاب بعضهم أعلاها، وأصاب بعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء فمروا على من فوقهم فتأذَوا به، فقال الذين في أعلاها: لا ندعكم تصعدون فتؤذوننا، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً فاستقينا منه ولم نؤذ مَن فوقنا، فأخذ ـ أحدهم ـ فأساً فجعل ينقر أسفل السفينة، فأتوه فقالوا مالك؟ قال: تأذيتم بي، ولا بد لي من الماء، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا وأنجوا جميعاً “.
فعمرو خالد ومن قال بقوله يقولون: اتركوهم يفعلون ما يريدون .. لا يجوز أن تأخذوا على أيديهم .. فمراقبتهم والأخذ على أيديهم أمر مستحدث .. دعوهم يخرقون السفينة .. فهذا حقهم .. وهذه هي الحرية التي لا يجوز لأحد أن يمنعهم منها أو يُصادرها .. ولو أدى ذلك إلى إغراق السفينة .. وهلاك جميع من فيها!!
فالقول بأننا نعرض على الناس الكفر والفجور والعهر والإلحاد بكل أنواعه وضروبه من جهة والحق من جهة أخرى .. ثم يُقال للناس اختاروا ما شئتم .. مقامرة ومغامرة يتنزه عنها الإسلام .. وتتنزه عنها نصوصه وقواعده وأصوله، والتي منها مبدأ وقاعدة ” سد الذرائع “.
ومنها: أن كلامه أعلاه هو المعمول به في جميع الأنظمة الكفرية والإباحية في الأرض .. بما في ذلك الأنظمة الأوربية .. فكل هذه الأنظمة تقوم على هذا المبدأ؛ مبدأ إنشاء مسجد للعبادة .. وبجواره دار للدعارة ومقارعة الخمور .. وعلى الناس أن تختار ما تشاء فمن شاء أن يدخل إلى المسجد فله ذلك، ومن شاء أن يدخل إلى دار الدعارة والفجور فله ذلك .. ولا يصح لأحدٍ منهما أن يُنكر على الآخر .. فعمرو خالد لم يأت بشيء جديد، وإنما أيد وبارك ـ ولو بشكل غير مباشر ـ الأنظمة الفاسدة الكافرة التي تقوم على هذا المبدأ؛ مبدأ حرية الشيء وضده في آنٍ واحد .. لذا فإن كلام هذا الرجل يلقى رواجاً وقبولاً في قنوات الفجور والمجون، وعند الأنظمة الطاغية الفاسدة الحاكمة في بلاد المسلمين.
وسؤالنا الأخير لعمرو خالد: أبمثل هذه المباركة لحرية الكفر والفساد والفجور .. والدعوة الماجنة .. تُصنع الحياة، وتُنشَّأ الأجيال والشباب؟!!