موقع ملتزم بالتحاكم إلى الكتاب والسنة على ضوء فهم السلف الصالح بعيداً عن التعصب

عدم تكفير المرتدين بحجة المصلحة

0 404
س1071: ما رأي فضيلتكم في صنيع بعض الدعاة ممن يتوقف في تكفير المرتدين ممن توفرت في حقهم الشروط وانتفت الموانع, فضلاً عن الجهر بذلك والصدع بدعوة التوحيد .. لا لشبهة أو رأي معتبر وإنما لدعوى المصلحة وينادون بذلك ويقولون أن هذا يضر بالدعوة ويزيد من خصومها, بل وينكرون على دعاة التوحيد – ممن لديهم القدرة الشرعية بالعلم والشجاعة لتنزيل الحكم على الواقع – ويتهمونهم بالتسرع وعدم الفقه بالمرحلة, ويستدلون بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكفر عبد الله بن أبي – رغم أنه كان معلوم النفاق وكان الصحابة يعرفون هذا عنه – حتى لا يقال أن محمداً يقتل أصحابه, وبقول الله تعالى:)وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ (، وجزاكم الله خير الجزاء؟

          الجواب: الحمد لله رب العالمين. عدم تكفير من ظهر كفره البواح من غير مانع شرعي معتبر كفر، والتوقف عن تكفيره كفر، وهذا لا يعني بالضرورة أن يُظهر المرءُ تكفيره أو يُخاطبه بمسمى وصفة الكفر في كل وقت وكل مناسبة .. فعدم إظهار تكفير من يجب تكفيره في كل وقت وكل مناسبة ليس كفراً، فقد يكون صواباً تقتضيه الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وقد يكون خطأ يؤجر عليه إن كان ناتجاً عن اجتهاد، أو خطأ يؤثم عليه .. لكن لا يبلغ به درجة الكفر أو أن يُكفَّر، والله تعالى أعلم.

          والأدلة الواردة في السؤال لا تفيد التوقف عن تكفير الكافرين .. وإنما لها توجيه آخر لا علاقة له بتكفير من يجب تكفيره شرعاً، قال تعالى:) قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (الكافرون:1. فالقرآن خاطب الكافرين باسمهم الكافرين وصفة الكفر التي عُرفوا بها، وأمر المؤمنين بأن يُخاطبوهم بـ ) يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (. ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن يكون الخطاب دائماً وفي كل وقت ومناسبة بعبارة ) يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (، فقد تكون من الحكمة ومصلحة الدعوة أن تخاطب كفار أهل الكتاب أحياناً بعبارة ” أهل الكتاب ” ومن دون أن تضيف إليهم وصف الكفر، كما في قوله تعالى:) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ (آل عمران:64. وقال تعالى:) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْأِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (آل عمران:65. وقال تعالى:) وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (آل عمران:69. وقال تعالى:) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (آل عمران:70. وقال تعالى:) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (آل عمران:71. وغيرها كثير من الآيات الدالة على هذا المعنى، والمؤمن الداعية إلى الله يتوخى المناسبة الأحسن لاستخدام هذا التعبير أو ذاك، فلا حرج عليه إن شاء الله، والله تعالى أعلم. 
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.