موقع ملتزم بالتحاكم إلى الكتاب والسنة على ضوء فهم السلف الصالح بعيداً عن التعصب

الفتوى وشروط المفتي

0 246

          س272:أظهرت الأزمة الأخيرة أننا بحاجة إلى مرجعية شرعية في جميع فتاوانا .. وذلك بسبب التخبط الذي تعيشه الفتوى .. برأيك ما هي شروط العالم المفتي .. ولماذا هذا التشتت في الفتوى .. وهل نستطيع عمل مرجعية شرعية لنا ..؟؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. هذا السؤال يتفرع عنه ثلاثة مسائل، نجيب عليها ـ إن شاء الله ـ بالتسلسل:

          المسألة الأولى: ما هي شروط العالم المفتي ..؟

          الجواب: للإفتاء شرطين: أن يكون المفتي عالماً بالنصوص الشرعية ـ من الكتاب والسنة ـ ذات العلاقة بالمسألة أو المسائل التي يريد أن يُفتي بها ..
          ثانياً: أن يكون عالماً بواقع وحيثيات المسائل التي يريد أن يُفتي بها .. ليحسن تحديد النصوص الشرعية ذات العلاقة بالمسائل .. فيحملها عليها.
          وأيما مفتي ـ سواء كان عالماً أو دون ذلك ـ يستشرف مهمة الفتوى ـ في أي مسألة ـ  يجهل هذين الشرطين أو أحدهما لا يجوز له أن يفتي .. ولو فعل لضلّ وأضل؛ لأن جاهل الشيء كفاقده لا يمكن أن يُعطيه!
          فإن قيل:ما بال الذي يفتي بقول المذهب ..؟
          أقول: يجب عليه أن يعرف دليل المذهب ـ من الكتاب والسنة أو الإجماع أو القياس الصحيح ـ الذي حمل المذهب على القول بهذا القول .. وأن تطمئن نفسه لهذا القول بأنه هو الأقرب للحق والسنة .. والله تعالى أعلم.
          المسألة الثانية: ولماذا هذا التشتت في الفتوى ..؟!
          أقول: إن كان المراد بالتباين والتفرق في الفتوى .. فهو يعود لأسباب عدة:
          منها: منهج المفتي .. والمدارس الشرعية والتربوية التي درس وتربى فيها؛ فتأمل مثلاً مجلساً يضم طالباً درس الشريعة في جامعة الزيتوني في تونس، وطالباً درس في الأزهر في مصر، وطالباً درس في دمشق، وطالباً تخرج من الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة .. ثم اطرح عليهم موضوعاً للنقاش .. ثم تأمل درجة التباين في الآراء فيما بينهم .. ودرجة التوتر .. والغضب ورفع
الأصوات التي ستسود المجلس .. وهذا عمل مقصود من قبل أعداء الأمة!
          ومنها: مصادر التلقي التي يتلقى المفتي منها علومه؛ فالمفتي الذي تربى على تلقي العلوم الشرعية من الكتاب والسنة، على ضوء فهم سلف الأمة .. تختلف فتاواه عن فتاوى من يتلقى العلوم الشرعية من المذاهب الفقهية المعروفة بعيداً عن الاستدلال بالنص الشرعي .. أو الذي يتلقى علومه عن طريق حدثني قلبي عن ربي، كما هو الحال في بعض المدارس الصوفية المنتشرة .. أو من يتلقى علومه على طريقة أهل الكلام ونحوهم .. فهؤلاء لا بد من أن تتباين فتاواهم .. لتباين مصادر التلقي عندهم .. ولتباين أصولهم في التلقي والإفتاء!
          ومنها: الجهل .. والتباين في ذلك فيما بين أهل الإفتاء .. التباين في الجهل بالنص الشرعي .. ومدى التمييز بين النص الصحيح من الضعيف .. فهذا مفتي يهتم بالصحيح .. وذاك لا يهتم بل لا يميز بين الصحيح والضعيف والموضوع .. فيفتي بالضعيف كما يُفتي بالصحيح .. وهذا يفتي بالنص .. وذاك يفتي بقول المذهب أو الشيخ ..! 
          ومنها: الفهم .. فهذا يظهر له مالا يظهر لسواه ..!
          ومنها: الهوى .. وهو موجود بكثرة في زماننا!
          ومنها: الرهبة من الظالمين .. أو الرغبة بما في أيديهم .. فهذا عند التأمل كله موجود .. وللأسف .. وهو سبب من جملة الأسباب في التباين والتشتت في الإفتاء!
          ومنها: مراعاة بعض المفتين لسياسة البلد التي يعيشون فيها .. ورغبات الساسة الحاكمين فيها .. فكل مفتي تراه يُفتي بحسب ما يسمح له النظام السياسي الذي يحكم في بلاده .. فتراه أحياناً يتوسع في مجال ..غيره من المفتين في نظام وبلد آخر لا يستطيع أن يتوسع توسعه .. فهذا أيضاً موجود .. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
          ومنها: الولاءات الحزبية المتعددة .. والمتنافرة .. والتي يعيش كثير من الدعاة والعلماء في داخلها .. ويتحملون جزءاً كبيراً من مسؤولياتها! 
          فهذه بعض الأسباب التي تؤدي إلى التشتت والتباين في الفتوى .. وهناك أسباب أخرى لا مجال لبسطها هنا.
          السؤال الثالث: وهل نستطيع عمل مرجعية شرعية لنا ..؟
          الجواب: إذا كان المراد بالمرجعية المرجعية التي تكون على مستوى الأمة .. أعتقد أن ذلك سيكون صعباً تحققه في هذه المرحلة بالذات، لأسباب عدة:
          منها: غياب النظام السياسي الواحد للأمة .. والذي يلتزم الإسلام والحكم بالإسلام!
منها: تعدد مصادر التلقي ـ والمقصودة! ـ التي تقدمت الإشارة إليها ..!
ومنها: ارتباط كثير من العلماء والمشايخ بالأنظمة السياسية المتفرقة والمتناحرة                      التي فرقت البلاد والعباد .. في دويلات متفرقة ومتناحرة ما أنزل الله بها من سلطان .. وذلك لا شك أنه يؤثر ـ كما تقدم ـ على مدى مصداقية ونزاهة، واستقلالية الفتوى ..!
ومنها: غياب الاتفاق على المسائل الكلية العامة .. وهذا يعود للأسباب الآنفة الذكر .. ولمزيد من الفائدة في هذا الجانب ننصح بمراجعة كتابنا ” تنبيه الدعاة المعاصرين إلى الأسس والمبادئ التي تعين على وحدة المسلمين “. 
والذي أعتقده ـ في هذه المرحلة ـ أن الأمة يمكن أن تفرز مرجعيتها وقادتها .. من خلال الجهاد والعمل لهذا الدين .. وما يمكن أن تفرزه الساحة العملية للدعوة إلى الله من علماء ربانيين ومخلصين .. يكونون مظنة احترام عند الجميع ..!
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.