موقع ملتزم بالتحاكم إلى الكتاب والسنة على ضوء فهم السلف الصالح بعيداً عن التعصب

بين الشرك والكفر

0 339

س956: قال أحد المشايخ أن من فعل الشرك الأكبر أو الكفر الأكبر وهو جاهل جهلاً ملجئاً معجزاً فإنه يصدق عليه اسم مشرك، ولا يدخل في مسمى المسلمين؛ لأنه مشرك بربه ويعدل، والإسلام هو دين التوحيد، فأي إسلام يبقى مع مناقضة أصله لا إله إلا الله، ولكنه لا يكفر حتى تقام عليه الحجة .. سؤالي يا شيخ: كيف يتسنى أن نسمي رجلاً مشركاً ثم نقول ليس كافراً، أليس الشرك كفراً؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين. هذا الكلام لا نص عليه من كتاب أو سنة، ولم يقل به عالم معتبر ممن سلف، والثابت عن بعضهم أن الكافر المشرك الذي يدخل الإسلام ـ بشهادة التوحيد ـ وهو لا يزال متلبساً بالكفر والشرك فلم يقلع عنه .. فهذا الذي لم يحملوا عليه وصف وحكم واسم الإسلام، وأبقوا عليه وصفه وحكمه الذي كان عليه قبل نطقه لشهادة التوحيد؛ إذ أنه يأتي بالشيء وضده في آنٍ معاً، ومن كان كذلك لا ينتفع بإقراره بالتوحيد لا في الدنيا ولا في الآخرة، ويُسمى قولاً واحداً كافراً مشركاً.
هذا الكلام أو ما في معناه قد تجده لبعض أهل العلم، ولكن لا تجد عالماً واحداً يصف مسلماً موحداً، تُجرى عليه أحكام الإسلام .. ثم هو لسبب قهري وعن عجز وجهل لا يمكن له دفعه .. يقع في فعل كفري أو شركي .. ثم لأجل ذلك ترى هذا العالم يرفع عنه حكم ومسمى الإسلام؛ فلا يُسميه مسلماً ولا كافراً .. ولكن يُسميه مشركاً .. هذا لم يقل به عالم قط ممن سلف .. كما أن الأدلة على خلافه!
ثم نسأل ما قيمة موانع التكفير التي تكلم عنها أهل العلم ـ ودلت عليها نصوص الشريعة ـ إذا كانت لا تمنع ـ عن هذا المسلم الذي وقع في كفر أو شرك عن جهل معجز وملجئ ـ مسمى الشرك، ولا تمنع عنه انتفاء حكم ومسمى الإسلام ..؟!
فموانع التكفير تمنع عن صاحبها مسمى الكفر والشرك، كما تمنع أن تُجرى عليه أحكام الكفر والشرك .. فتمنع عنه الاثنين معاًً!
ثم نسأل أصحاب هذا القول: هذا الذي سلبتموه مسمى الإسلام وحكمه وأجريتم عليه مسمى الشرك .. أي الأحكام تُجرى عليه في الدنيا ـ قبل أن تُقام عليه الحجة ـ أحكام الإسلام أم أحكام الكفر والشرك؟!
فإن قالوا: أحكام الكفر والشرك ..!
نقول لهم: ما قيمة حديثكم إذاً عن عدم تكفيره حتى تُقام عليه الحجة .. ولماذا تُقام عليه الحجة وأحكام الكفر والشرك تُجرى عليه؟!!
وإن قالوا: تُجرى عليه أحكام الإسلام .. ويُعامل معاملة المسلمين من حيث ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات!
قلنا لهم: ما قيمة وصفكم له بالمشرك ونفي مسمى وحكم الإسلام عنه إذا كان سيُعامل معاملة المسلمين وتُجرى عليه أحكامهم؟!
فالأحكام والمسميات يتبعها أحكام ومواقف ومعاملات، ويترتب عليها حقوق وواجبات؛ إذ يستحيل أن تحكم على معين بالشرك وتسميه مشركاً وتنفي عنه مسمى الإسلام ثم تعامله معاملتك للمسلمين ..!
فإن علمت ذلك، وعلمت اضطرابهم فيما ذهبوا إليه، بقي عليك أن تعلم أن كل كفر هو شرك، وكل شرك هو كفر، والمشرك كافر، والكافر مشرك، فإذا أطلق أحدهما فهو يشمل الآخر ولا بد.
كما قال تعالى:] سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ [آل عمران:151. فالذين كفروا هم أنفسهم وصفوا بأنهم أشركوا، فدل أن كل من كفر فقد أشرك.
وكذلك قوله تعالى:] مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ [التوبة:17. فهم مشركون وبنفس الوقت كافرون يشهدون على أنفسهم بالكفر.
وكذلك قوله تعالى عن صاحب الحديقة المشرك كما في سورة الكهف، ففي آية وصفه بالكفر كما في قوله تعالى:] قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً [الكهف:37. وفي آية أخرى وصفه بأنه مشرك وقد أشرك كما في قوله تعالى:] وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً [الكهف:42. فدل أن كل كافر مشرك، وكل مشرك كافر.
وكذلك قوله تعالى:] لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ [المائدة:73. ولا شك أن القول بأن الله ثالث ثلاثة هو شرك وأن قائله مشرك، ومع ذلك حكم الله عليه بالكفر.
وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:” بين العبد وبين الكفر والإيمان الصلاة فإذا تركها فقد أشرك “. وفي رواية:” العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر “، فمرة حكم عليه بالكفر ومرة حكم عليه بالشرك، مما دل أن أحدهما يستلزم الآخر ولا بد. 
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم:” من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك “، إذ لا فرق بين الكلمتين ـ كفر أو أشرك ـ  ولك أن تقول لمن حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك؛ لأن لهما نفس المعنى والدلالة
من الناحية الشرعية. 
وفي قوله صلى الله عليه وسلم:” الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل “. قال ابن تيمية في الفتاوى 7/67: قال ابن عباس وأصحابه: كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق، وكذلك قال أهل السنة كأحمد وغيره ا- هـ. 
فتأمل كيف فسر الشرك الخفي الوارد ذكره في الحديث والذي يعني الرياء بقول ابن عباس وأصحابه: كفر دون كفر!
ولكن الذي يمكن أن يُقال: أن اللفظين إذا اجتمعا في عبارة أو نص واحد كقولك: هذا كفر وشرك أو هذا كافر مشرك، ففي هذه الحالة يتفقان من حيث الحكم الشرعي وما يترتب عليه، ويختلفان من حيث الدلالة اللغوية لكل كلمة منهما؛ فتكون دلالة الكفر لبيان جانب الجحود والنكران .. وتغطية وستر ما يجب إظهاره .. والشرك لبيان الوقوع في الشرك من جهة الإقرار بتعدد الآلهة، وصرف العبادة لها من دون الله، والله تعالى أعلم.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.