موقع ملتزم بالتحاكم إلى الكتاب والسنة على ضوء فهم السلف الصالح بعيداً عن التعصب

هل يجب التحقق من القصد ممن صدر منه سب الله تعالى

0 382

س900: ذهب بعضهم في مسألة من صدر منه سب الله أنه يجب التحقق من كونه قصد السبَّ ولم يقصد شيئاً آخر؛ أعني لتكفيره على التعيين يحتاج إلى التحقق، واستدل بمن يسب الدهر، فقلت له: لا يكفر ساب الدهر إلا إذا قصد السب، فقال: هو يؤذي الله، ولم يرد هذا التفصيل في النص، من أين أتيت به، مع العلم أن هذا التفصيل ترد فيه التكفير إلى القصد .. والمشبهة المتأولة لا يكفرون مع أنهم منتقصون لله تعالى؛ لأنهم لم يقصدوا السب، ولم يقصدوا الانتقاص، وإنما قصدوا التنزيه .. فرجعنا لموضوع القصد ثانية؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين. اعلم أن الكفر منه ما يكون صريحاً بواحاً، ومنه ما يكون متشابهاً محتملاً؛ يحتمل الكفر من وجه ويحتمل غيره من وجه آخر.
أما ما كان منه صريحاً بواحاً كالسب والشتم لذات الخالق سبحانه وتعالى .. فصاحبه يَكفر، ويجب أن يُكفَّرَ بعينه من دون أن يُلتفت إلى قصده ونيته واعتقاده، وبخاصة مسألة السب والشتم .. لأن صاحبها لا يمكن أن يُعذر بأي مانع من موانع التكفير سوى الإكراه؛ وذلك أن الأحكام ـ أحكام الكفر والإيمان سواء ـ تُبنى على الظاهر وعلى ما يُظهره المرء من أقوال وأعمال .. وليس على السرائر، وما تخفيه البطون والقلوب التي لا سلطان لمخلوق عليها.
فإن قيل: أين الأدلة التي تثبت لزوم اعتبار الظاهر في الكفر والإيمان من دون الالتفات إلى القصد والباطن ..؟
أقول: هي مبسوطة بتوسع في كتابنا ” قواعد في التكفير ” عند شرح قاعدة” اعتبار الظاهر في الكفر والإيمان ” فانظرها ـ إن شئت ـ هناك.
أما ما كان ـ من الكفر ـ متشابهاً محتملاً .. كمسألة سب الدهر .. ومسألة من يزيد وينقص في تلاوته للقرآن .. ومسألة من يحلل حراماً أو يحرم حراماً .. وبعض الأخطاء في الصفات ونحو ذلك .. فالخطأ في مثل هذه المواضع متشابه غير محكم؛ فهو يحتمل الكفر من وجه ويحتمل غير ذلك .. لذا في مثل هذه المواضع تحديداً أقول:يتعين التثبت والتحري عن مراد وقصد أصحابها؛ فهل هم أرادوا المعنى الكفري أم أرادوا غيره .. فهل الساب للدهر يقصد سب الخالق سبحانه وتعالى وسب ما يصدر عنه سبحانه وتعالى من أحكام وقضاء وأقدار .. فيكفر .. أم أنه يسب الدهر من قبيل الضجر مما قد حل به من بلاء .. وما جلب له الزمن من مصائب بما كسبت يداه .. فلا يكفر .. وهل هذا الذي يزيد وينقص في تلاوته للقرآن .. يتعمد الزيادة والنقصان .. فيكفر بذلك .. أم أنه لسوء حفظه ولحداثة عهده بالتلاوة وتعلم القراءة يقع بمثل هذا الخطأ .. فلا يكفر .. وهل هذا الذي حلل الحرام وحرم الحلال .. أراد التكذيب والجحود .. وأن يجعل من نفسها مشرعاً ورباً من دون الله .. فيكفر .. أم أنه حلل الحرام .. لجهله بالتحريم .. أو لعدم ثبوت النص عنده الذي يفيد التحريم .. فلا يكفر .. وكذلك المسائل الأخرى المتشابهة الحمالة لأكثر من وجه .. فإنه لا بد من التحري عن القصد ومعرفة مراد صاحبها قبل أن نصدر بحقه حكم الكفر أو التكفير.
فإن قيل: لماذا ..؟!
أقول: لأن نصوص الشريعة تلزم بالتثبت والتبين في مثل هذه المواضع المتشابهة، كما في قوله تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (النساء:94.
فهذا الكافر المحارب الذي يلقي السلام على المؤمنين .. يحتمل أن يكون صادقاً في سلامه وإسلامه .. ويحتمل أن يكون كاذباً .. وأنه ما ألقى السلام إلا تقية من السيف .. فالأمر مشكل ومتشابه .. يحتمل أكثر من وجه .. لذا جاء الأمر الإلهي بضرورة التبين والتثبت .. وعدم إصدار الأحكام عليه بأنه ليس مؤمناً .. قبل التبين والتثبت.
ونقول كذلك: أن الكفر المحتمل المتشابه الظني لا يُقاوم ولا ينفي الإيمان أو الإسلام الصريح اليقيني المحكم .. فاليقين لا يُزال إلا بيقين .. والإسلام الصريح لا ينقضه إلا الكفر البواح الصريح .. وبالتالي فهذا الذي يقع في الكفر المتشابه المحتمل .. لا يمكن أن نزيل عنه إيمانه وإسلامه الذي هو يقين بكفر متشابه محتمل غير يقيني. 
وهناك أدلة أخرى عديدة تُلزم بضرورة التبين والتثبت من قصد ومراد المعين في حال وقوعه في الكفر المتشابه المحتمل، وهي مبسوطة في كتابنا” قواعد في التكفير ” عند الحديث عن قاعدة ” الإسلام الصريح لا ينقضه إلا الكفر الصريح “، فراجعها إن شئت.
فإن قلت: يصعب علي التحري .. ومعرفة القصد والمراد؟!
أقول: وأنت غير مضطر شرعاً بأن تصدر أحكاماً في مواضع الشبه والظن من غير تثبت ولا تبين .. فإنما هلاك المرء أن يستشرف القضاء وإصدار الأحكام على العباد في موارد الشبهات والظنون من غير تثبت ولا تبين، والله تعالى أعلم. 
بهذا التفصيل أرجو أن يكون قد زال عنكم الإشكال .. إن شاء الله.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.