موقع ملتزم بالتحاكم إلى الكتاب والسنة على ضوء فهم السلف الصالح بعيداً عن التعصب

سمير كعكة ومسألة الجاسوس!

0 636

سمير كعكة ومسألة الجاسوس!

pdf                    word

بسم الله الرحمن الرحيم

          الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.

          لم أكن أتوقع أن يأخذ الخلاف حول مسألة ” حكم الجاسوس ” هذا المأخذ الكبير في نفس سمير كعكة .. فالمسألة تقبل النظر، وتقبل الخلاف .. وأهل العلم من قبلنا اختلفوا فيها بحسب ما ظهر لكل واحدٍ منهم من أثر وضرر التجسس لصالح العدو الكافر على الإسلام والمسلمين .. وبحسب القرائن المحيطة بالجاسوس ذاته .. فما أنكروا، ولا شنعوا على بعضهم البعض .. إلا أن ” كعكة “؛ رتب على هذه المسألة ولاءً وبراءً، وأحكاماً، وتبديعاً، وتضليلاً لكل من يخالفه ولا يقول بقوله؛ وهو عدم كفر الجاسوس .. فالجاسوس عنده مهما ترتب على تجسسه من ضرر كبير على الإسلام والمسلمين، وعلى عسكر وجند المسلمين .. وتحققت فيه جميع القرائن التي تجعله مع العدو الكافر سواء، وفي مصاف واحد .. فهو مسلم .. ولو مات أو قُتِل الجاسوس، فكعكة يصلي، ويترحَّم عليه .. لكون اسمه جاسوساً، ومهمته تقتصر على التجسس ونقل المعلومات للعدو الكافر المحارب .. وزعَم الإجماع على قوله!!

          والرجل ظل يلاحقنا منذ أكثر من عشر سنوات، ويقول: سلوه ــ يعنيني ــ هل لا يزال يقول بكفر الجاسوس .. هذا قول الخوارج .. والتكفيريين ..؟! ويقوم بالتهييج .. والإثارة .. والشغب .. والتحذير من أبي بصير .. لماذا؛ لأنني أقول بكفر الجاسوس .. وأنا أعرض عنه وعن جهالته وشغبه .. وأذاه .. مراعاة لتجنيب الساحة مثل هذه الخلافات، والتجاذبات .. إلا أن الرجل لم يقف عند حدٍّ .. ولم يكترث للاعتبار الذي حملنا على الإمساك عنه، وعن شغبه .. فهو مستمر في غيه وجهالته، وشغبه، وتجميع العوام من حوله، وحول مسألته، لغرض في نفسه ليس بريئاً .. إلى أن أصدر منشوره الأخير بالصوت والصورة تحت عنوان ” صيحة نذير من فكر أبي بصير “، فوجدت نفسي ملزماً في الرد عليه .. إحقاقاً للحق، وإبطالاً للباطِل .. ولعلَّه يستريح ويتوقف عن حملته المسعورة هذه .. ويتوقف عن شغبه، ولجاجته، وصخبه، وأذاه ..!

          وأنا هنا أذكر أولاً قول ” سمير كعكة ” عن الجاسوس، كما ورد في منشوره المذكور أعلاه .. ثم أُتبعُه ــ إن شاء الله ــ بالرد عليه .. والله المستعان!

          قال سمير كعكة:” قلت له: يا شيخ هل تراجعت عن شيء من كتبك السابقة؟ فقلِّي: لا، قلت له: طيب رسالتك في الجاسوس؟ قال: إي؛ لا تزال، قلنالوا: يعني أنت قلت بكفر الجاسوس بالجَسِّ، حاطب بن أبي بلتعة وقع في الكفر، لكنه لم يكفر؛ لموانع منعت من تكفيره، قلي: إي نعم، قلت: الذي يقول بعدم كفره، هل يتخرج قوله على أصول أهل السنة والجماعة؟ ما فهم عليّ من أول مرة، قلت له: يعني الذي لا يكفره بالجَسِّ ــ أي بسبب التجسس ــ وإنما يقول هي كبيرة من جنس الكبائر، هل هذا القول من أقوال أهل السنَّة؟ قلِّي: نعم، قلتلو: تمام .. قلت له: قولك بتكفير الجاسوس بالجَسِّ ــ أي بسبب التجسس ــ هذا قول ثاني، وقاله أهل السُّنَّة؟ قال: نعم؛ قاله أهل السنة. قلتلو طيب: اعطني واحد من أهل السنة المعتبرين قال بكفر الجاسوس بالجَسِّ؟ مباشرة قفز، وانتفخ، الله أكبر، هؤلاء جند الطاغوت! قلتلو: يا شيخ أسألك سؤالاً علميّاً؛ مَن مِن علماء السنَّة قال بكفر الجاسوس بالجسِّ؟ يرد يقفز، ويقلِّي هؤلاء خدموا الطواغيت. قلتلو يا شيخ: لا تزاود علي؛ أنا أقول لك مَن من علماء السنَّة قال بكفر الجاسوس، اعطني كلام علمي؟ فقال لي: أنا لي عشرين سنة مؤلِّف هذا الكتاب، الآن ما يحضرني، قلت له: طيب؛ سأمهلك عشر سنوات أخرى على أن تأتيني برجل واحدٍ من علماء السنة قال بكفر الجاسوس بالجسِّ، إنما هذا قول الخوارج .. فرقتوا الأمة، ضيعتوا شباب الأمة بهذه التآليف التي تكتبها، والتي تعرضها الآن علينا .. كيف تقول في رسالتك في الجاسوس: قال سحنون من المالكيّة: يُقتَل، وماله لورثته .. تكتب تحت في الحاشية؛ أي يُقتَل ردَّة؟! عم تضحك على القراء؛ شلون سحنون يقول يُقتل وماله لورثته؛ يعني مسلم، وأنت تقول: يُقتَل ردة؟! شو هلتناقض، والتلاعب بأقوال أهلِ العِلم؟! فما رأيته إلا قفز واقفاً، وقلي أنا بحياتي ما أجلس مع طلبة علم! قلتلو: براحتك، وتفرقنا ……” انتهى كلامه، وانتهى الاقتباس من روايته، التي لا تخلو من كذب ..!!

          أرد على قوله أعلاه في النقاط التالية:

          1- حتى يُفهم موطن الخلاف لا بد من إيضاح واقع المسألة المختلف فيها .. واقع المسألة كالتالي: جاسوس يمتهن التجسس، ويقتات ويعتاش منه، يعمل لصالح العدو الكافر المحارب، فينغمس في صفوف المسلمين وعسكرهم وجندهم، ينقل المعلومات إلى العدو المحارب أولاً بأول .. ليقوم الآخر بقصف وتدمير المواقع والمباني، والتجمعات التي أشار إليها الجاسوس .. فيقتل من يقتل، ويجرح من يجرح من المسلمين، ومجاهديهم، وأطفالهم، ونسائهم .. ويشرد من يشرد .. كما يحصل أحياناً في الثورة السورية، وفي المناطق المحررة من سورية .. فنحن نعيش مشكلة كبرى مع الجواسيس الذين يعملون لصالح النظام النصيري القرمطي الباطني الأسدي، ولصالح حلفائه من الروس، والروافض .. والذين يتسببون في كثير من الخراب، والدمار للمدن، وللمباني، والمواقع على رؤوس ساكنيها من المسلمين والمستضعفين .. وباعتقال الأبرياء في سجون القرامطة .. وبخاصة مع تطور وسائل التواصل، والاتصالات التي تسهل عمل الجاسوس .. هذا هو واقع المسألة .. وهو واقع مؤلم لا بد من مواجهته .. والخلاف كان حول هذا الجاسوس الذي يعين وينصر العدو الكافر المحارب، والذي يتسبب بكل هذا الدمار والخراب، والمجازر .. فهل هو كافر، له حكم نفس العدو الكافر المحارب، أم أنه مسلم لكونه جاسوساً؛ ولأن عمله يقتصر على ” الجسِّ! ” والتجسس .. هذا هو واقع المسألة .. وحول هذا الواقع موطن الخلاف .. فافهموا ذلك!

          2- قبل أن نأتي بأقوال العلماء في المسألة ــ التي يطالبنا بها كعكة! ــ نأتي بما هو أقوى وأعظم، وأجل من أقوال العلماء .. نأتي بما تقوم به الحجة؛ قال الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .. قال الله تعالى:[ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ]المائدة:51. أي من جملتهم كافر مثلهم .. وإذا كان الجاسوس بصفاته الواردة في النقطة الأولى أعلاه، لا يكون موالياً لهم الموالا التي تجعله كافراً مثلهم .. فمن يكون؟!

          قال القاسمي في محاسن التأويل 6/240:” [ فإنه منهم ]؛ أي من جملتهم، وحكمه حكمهم، وإن زعم أنه مخالف لهم في الدين “ا- ه.

          وقال القرطبي في التفسير:[ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ ]؛ أي يعضدهم على المسلمين، [ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ]؛ بين تعالى أن حكمه كحكمهم، وهو يمنع إثبات الميراث للمسلم من المرتد “ا- هـ. وما هو عمل الجاسوس؛ سوى أنه يعضد الكافرين على المسلمين؟!

          وقال تعالى:[ لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ ]آل عمران:28. ليس من دين الله في شيء؛ فدين الله منه براء، وهو من دين الله براء .. قال ابن جرير الطبري في تفسيره جامع البيان:” ومعنى ذلك لا تتـخذوا أيها الـمؤمنون الكفـار ظهراً وأنصاراً، توالونهم علـى دينهم، وتظاهرونهم علـى الـمسلـمين من دون الـمؤمنـين، وتدلونهم علـى عوراتهم، فإنه من يفعل ذلك فلـيس من الله فـي شيء، يعنـي بذلك؛ فقد برىء من الله، وبرىء الله منه بـارتداده عن دينه، ودخوله فـي الكفر “ا- هـ.

          وقال البغوي في التفسير:”[ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ]؛ أي موالاة الكفارِ في نقل الأخبار إليهم، وإظهارهم على عورة المسلمين، [ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَىْءٍ ]؛ أي ليس من دين الله في شيء “ا- هـ.

          وقال الشوكاني في التفسير:” [ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ ]؛ أي من ولايته في شيء من الأشياء، بل هو منسلخ عنه بكل حال “ا- هـ.

          قال ابن عاشور  في التحرير 3/71:” فالمعنى أن فاعل ذلك مقطوع عن الانتماء إلى الله، وهذا ينادي على أن المنهي عنه هنا ضرب من ضروب الكفر “ا- هـ.

          وقال تعالى:[ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ]المائدة:81. فإذا ما اتخذوهم أولياء، ونصروهم وأعانوهم على المؤمنين، كان ذلك دليلاً قاطعاً وصريحاً على عدم إيمانهم بالله، وبنبيه صلى الله عليه وسلم، وما أنزل إليه من ربه .. مهما زعموا بلسانهم خلاف ذلك، وكان مجاهد التابعي يقول:” هم المنافقون “!

          وغيرها كثير من الآيات، وفي الحديث، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:” من أعان ظالماً بباطل ليدحض بباطله حقاً فقد برئ من ذمة الله عز وجل وذمة رسوله “. فكيف بالجاسوس الذي يعين الطواغيت الظالمين على اعتقال المسلمين، وقتلهم، وانتهاك حرماتهم، وأعراضهم .. وعلى تدمير المدن، والمباني على ساكنيها؟!

          وفي صحيح مسلم وغيره:” المؤمن من أمنه المسلمون على أنفسهم وأموالهم، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده “. مفهوم المخالفة أن من لا يأمنه المسلمون على أنفسهم، وأموالهم، ولا يسلم المسلمون من لسانه ويده، ليس مؤمناً، ولا مسلماً .. والجاسوس يدخل في هذا الوصف دخولاً كلياً، ويزيد عليه.

          وقال صلى الله عليه وسلم:” من استمع إلى حديث قوم وهم يفرون منه، صُبَّ في أذنيه الآنك “. والآنك هو الرصاص الأبيض المذاب .. وهذا فيمن يستمع على وجه الفضول، والتطفل .. فكيف بمن يستمع على وجه التجسس لصالح العدو الكافر المحارب ..؟!!

          وقال صلى الله عليه وسلم:” لا يدخلُ الجنَّةَ قَتَّات “البخاري. والقتَّات؛ هو الجاسوس النمَّام الذي يتجسس على كلام الآخرين خلسة من غير علمهم، لينقله على قصد ونية الإفساد والإضرار.

            وقال صلى الله عليه وسلم:” مَن أكلَ برجلٍ مسلمٍ أكلةً، فإنَّ اللهَ يُطعِمُه مثلَها من جهنّمَ، و من اكتسى برجلٍ مسلمٍ ثوباً، فإنَّ اللهَ يَكسوهُ مثلَه في جهنمَ “. وهذا مثال على الجاسوس الذي يَقتات بالتجسس على المسلمين، وبرفع التقارير عنهم إلى الطواغيت الظالمين مقابل مال يُرمَى له!

          وعن سلمة بن الأكوع قال: أُتي النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين وهو في سفر فجلس عند أصحابه، ثم انسل، فقال صلى الله عليه وسلم:” اطلبوه؛ فاقتلوه ” قال: فسبقتهم إليه فقتلته، وأخذت سلبه، فنفلني إياه. متفق عليه.

          وكذلك فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل المرأة التي حملت كتاب حاطب إلى كفار قريش عام الفتح، ومن دون أن تُستتاب، كما في الحديث عن سعد بن أبي وقاص قال: لما كان يوم فتح مكة، أمَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر، وامرأتين. من هاتين المرأتين هذه المرأة التي حملت كتاب حاطب بن أبي بلتعة إلى كفار قريش، الذي يتضمن إخبارهم عن سير النبي صلى الله عليه وسلم إلى فتح مكة .. واسمها سارة.

          ولما أوحى الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم بصنيع حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه .. وحاطب صحابي جليل شهد المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من أهل بدر .. وما أدراك ما أهل بدر .. ومع ذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حاطب:” يا رسول الله قد خان اللهَ ورسولَه والمؤمنين .. دعني أضرب عنقَ هذا المنافق ــ وفي رواية ــ فإنه قد كفر .. إنه قد نافق .. نكث وظاهر أعداءك عليك “، وهذه ألفاظ وإطلاقات كلها ثابتة عن عمر رضي الله عنه، بعضها في الصحيحين .. والنبي صلى الله عليه وسلم يسمعه ولم ينكر عليه أن فعل حاطب لا يستحق هذه الإطلاقات والأحكام .. بل أقره عليها .. لكن حاطب ذاته عنده تأويل، وعذر ومانع يمنع من لحوق هذه الإطلاقات والأحكام بحقه .. فما هو عذر حاطب، وما الذي حمله على أن يفعل فعلته الوحيدة، والتي لم يكررها في حياته قط، وقد ندم عليها ندماً شديداً .. لننظر ماذا قال للنبي صلى الله عليه وسلم:” يا رسول الله لا تعجل عليّ، إني كنت امرءاً ملصَقاً في قريش، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يداً يحمون بها قرابتي .. وما فعلت كفراً ولا ارتداداً، ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام ــ وفي رواية ــ ما غيرت ولا بدلت .. أما أني لم أفعله غشاً يا رسول الله ولا نفاقاً .. ما كفرتُ ولا ازددتُ للإسلام إلا حبَّاً “!

          فقال النبي صلى الله عليه وسلم:” قد صدقكم .. لا تقولوا له إلا خيراً .. إنه قد شهدَ بدراً .. وما يدريك ــ يا عمر ــ لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم “. فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم ..!

          قال ابن حجر في الفتح 8/503: وعذر حاطب ما ذكره؛ فإنه صنع ذلك متأولاً أن لا ضرر فيه ا- هـ. أي ظن أن فعله من التقيّة التي لا تضره في إيمانه!

          وفي حاطب وصنيعه، أنزل الله تعالى آية تقشعرُّ منها الأبدان:[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ ]الممتحنة:1.

          3- أما قول العلماء، إضافة إلى ما نقل عنهم في تفسيرهم للآيات الآنفة الذكر أعلاه، فقد أثر عن عدد منهم التصريح بكفر الجاسوس، وأن الجاسوس كافر مرتد، ويقتل ردة .. قال الإمام سحنون:” إذا كاتب المسلم أهل الحرب، قُتِل ولم يُستَتب، وماله لورثته “. والسنة في المرتد أن يستتاب، وكونه لا يُستتاب؛ هذا يعني أن كفره مغلظ، وردته مغلظة .. وأن يُعطى ماله لورثته؛ لا يمنع من أن يُقتل ردة، كما سنبينه لاحقاً إن شاء الله.

          وفي المستخرجة قال ابن القاسم في الجاسوس ــ وهو من تلاميذ الإمام مالك المقربين قد صحبه عشرين سنة ــ: يُقتل ولا تُعرف لهذا توبة، هو كالزنديق “. وكونه لا تعرف له توبة؛ يعني أن ردته مغلظة، وكفره أغلظ من الردة المجردة .. وكفر الزنديق أغلظ من كفر المرتد!

          قال ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير 3/73: قال ابن القاسم ــ في الجاسوس ــ ذلك زندقة لا توبة فيه، أي لا يستتاب ويقتل كالزنديق؛ وهو الذي يُظهر الإسلام ويسر الكفار، إذَا اطُّلع عليه، وقال ابن وهَب: رِدّة ويُستتاب “ا- هـ,  

          وقال ابن تيمية في الفتاوى 28/109: ذهب مالك وطائفة من أصحاب أحمد إلى جواز قتل الجاسوس ا- هـ.

          وقال محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:” اعلم أن نواقض الإسلام عشرة نواقض، وعدَّ منها، الناقض الثامن: مظاهرة المشركين، ومعاونتهم على المسلمين “. والجاسوس لا يخرج عن هذا المعنى، والتوصيف .. وهو متلبس بهذا الناقض تلبساً كاملاً.

          قال ابن باز رحمه الله، في كتاب سبل السلام، شرح نواقض الإسلام:” لا شك أنَّ التجَسُّسَ تولٍّ للمشركين، رِدَّةٌ يوجِبُ القَتْل “ا- هـ. فانظر كيف قرن التَّولي مع التجسس، وأن التجسس لا يخرج عن معنى التولي، والموالاة الكبرى!

          وقال رحمه الله في الفتاوى 1/269:” قد أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على المسلمين، وساعدهم عليهم بأي نوع من أنواع المساعدة، فهو كافر مثلهم “ا- هـ. وهذا وصف لا يخرج عنه الجاسوس .. فالشيخ في قوله هذا ينقل إجماع علماء الإسلام على كفر الجاسوس!

          وقال المحدث أحمد شاكر في كتابه كلمة حق:” أما التعاون مع الإنجليز بأي نوع من أنواع التعاون، قلّ أو كثر، فهو الردّة الجامحة، والكفر الصّراح، لا يقبل فيه اعتذار، ولا ينفع معه تأول، ولا ينجي من حكمه عصبية حمقاء، ولا سياسة خرقاء، ولا مجاملة هي النفاق، سواء أكان ذلك من أفراد أو حكومات أو زعماء، كلهم في الكفر والردة سواء “ا- هـ.

          فهل هؤلاء العلماء كلهم ــ يا كعكة عندك ــ يقولون بقول الخوارج …؟!

          4- قد أثر عن بعض الصحابة، وأهل العلم أن المرتد الذي يُقتل ردة، تُعطى أمواله لورثته .. قال ابن حزم في المحلى 12/121:” ميراث المرتد، فقالت طائفة: هو لورثته من المسلمين .. ثم روى بسنده عن علي بن أبي طالب، قال:” ميراث المرتد لولده “. وعن ابن مسعود بمثله. وقالت طائفة بهذا منهم: الليث بن سعد، وإسحق بن راهويه. وقال الأوزاعي: إن قتل في أرض الإسلام فماله لورثته من المسلمين …”انتهى الاقتباس من كلام ابن حزم. وأنا هنا ليس غرضي تقصي جميع الأقوال في المسألة، وإنما أردت أن أبين أن القول بإعطاء مال المرتد لورثته، له مستنده، وهو قول وجيه، ومن الصحابة، وكبار أهل العلم من قال بذلك .. وأنّ قول كعكة:” كيف تقول في رسالتك في الجاسوس: قال سحنون من المالكيّة: يُقتَل، وماله لورثته .. تكتب تحت في الحاشية؛ أي يُقتَل ردَّة؟! عم تضحك على القراء؛ شلون سحنون يقول يُقتل وماله لورثته؛ يعني مسلم، وأنت تقول: يُقتَل ردة؟! شو هلتناقض، والتلاعب بأقوال أهلِ العِلم؟! ..“! إنما هو تشغيب .. وتهييج .. وخربشة تنم عن جهل .. وسوء أدب صاحبها .. ليس معي .. وإنما مع الصحابة، وكبارٍ من أهل العلم!

          5- قول سمير كعكة:” حاطب بن أبي بلتعة وقع في الكفر، لكنه لم يكفر؛ لموانع منعت من تكفيره ..”، يفيد إقراره بأن التجسس الذي وقع فيه حاطب كفر، وأن العمل التجسسي عمل كفري، يخرج صاحبه من الملة .. لكن حاطب لم يكفر؛ ولا يحمل عليه الكفر؛ لوجود قرائن، وموانع منعت من تكفيره، ومن لحوق الوعيد وحكم الكفر به ــ وهذا قولنا نحن! ــ مما يدل على أنه مضطرب ومتناقض في المسألة .. يقول بالقول، وضده .. يهرف بما لا يعرف، كقمَّاش ليل!

          6- واقع مسألة التجسس، والجاسوس قد تطور كثيراً عمَّا كان عليه من قبل؛ تطور كمَّاً، ونوعاً، وقُدرة، وأثراً .. حتى باتت كثير من الدول تنفق المليارات من الدولارات على الأقمار الإصطناعية، وغيرها من الوسائل المتطورة لغرض التجسس على الآخرين، وعلى المناوئين؛ لما للتجسس من أهمية كبرى في حسم المعارك، ودحر العدو المقابل .. بل وتدمير دول بكاملها .. يكفي الجاسوس أن يرمي قطعة معدنية لا يتجاوز حجمها قعر الكف، على بقعة من الأرض، أو عمارة، أو موقع .. ليقوم الطيران مباشرة بقصف وتدمير هذه العمارة، وهذا الموقع على من فيه .. والفعل في ذلك يعود كله للجاسوس .. كثير من المعارك المعاصرة مرتبط مصيرها؛ انتصاراً أو هزيمة بما يقدمه الجاسوس من معلومات عن الخصم المقابل .. فالمعركة ــ في زماننا ــ معركة معلومات أكثر مما هي معركة سلاح .. وقبل أن تكون معركة سلاح .. والمعلومات مرتبطة بالجاسوس، وبمهاراته في التجسس .. وأحسب أن علماءنا الأوائل الذين ترددوا في تكفير الجاسوس الذي يتجسس لصالح العدو الكافر المحارب على الإسلام والمسلمين .. لو عاصروا زماننا .. وشاهدوا هذا التسابق المحموم على التجسس .. وأثر التجسس المدمر على المدن والمباني واستقرار الدول .. لاختلف قولهم، ولما ترددوا في تجريم وتكفير الجاسوس الذي يتجسس لصالح العدو الكافر المحارب .. لذا فإن المسألة تحتاج إلى نظر جديد .. واجتهاد جديد!

          خطيئة كبرى أن نظل نقيس التجسس، والجاسوس في زماننا المعاصر على حاطب بن أبي بلتعة، وما حصل معه، ونقيس جواسيس العصر على حاطب .. نظلم حاطباً رضي الله عنه كثيراً عندما نقيس التجسس، والجواسيس في زماننا على الصورة التي وقع فيها حاطب .. رحم الله حاطباً كم ظُلِمَ .. وكم سيُظلَم .. ما دام هناك أناس يفكرون على طريقة سمير كعكة .. والله المستعان .. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

عبد المنعم مصطفى حليمة

” أبو بصير الطرطوسي “

6/11/1444 هـ. 26/5/2023 م

www.abubaseer.bizland.com

 

 اقرأ أيضا:

الكذاب سمير كعكة

العذر بالتأويل ومسألة الصحابي الجليل حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه

حكم الجاسوس

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.