موقع ملتزم بالتحاكم إلى الكتاب والسنة على ضوء فهم السلف الصالح بعيداً عن التعصب

قانُون الجَذْبِ الخرافِي الشِّرْكِيِ

قانون الجذب الخرافي الشركي

0 310

قانُون الجَذْبِ الخرافِي الشِّرْكِيِ

PDF                                         WORD

        ملخص هذا القانون يقول: لكي تحصل على التغيير الذي تريده، وتحصل على المصالح التي تريدها، والشخص الذي تريده، يكفي أن تستحضر الصورة التي تريدها، أو المآل الذي تريد أن تنتقل إليه في ذهنك، وتعمق وتطيل التفكير به مع مشاعر جسدية .. بعد ذلك ينجذب لك ما طلبته، وأردته، ويتحقق لك ما أردته حرفياً، لا يتخلف منه شيء .. هذه القوة الجاذبة القادرة والخارقة التي تحقق لك ما تريد من خلال التفكير، مصدرها ومردها للطاقة الكونية؛ الكون والطبيعة!

        وأصحاب هذا القانون الخرافي الشِّرْكِي، يقولون: لو أن العجوز الكبير في السن قال أنا طفل، أنوي أن أكون طفلاً، أفكر بأن أكون طفلاً .. يصبح طفلاً، وعليك أن تعامله كطفل .. ولو قال الذَّكَر أنا أنثى وأفكر بأنني أنثى، يُصبح أنثى، ويجب أن تعامله كأنثى .. وكذلك الأنثى لو قالت أنا ذَكَر، وأفكر بأنني ذَكَر، تصبح ذَكَراً، ويجب أن تعاملها كَذَكَرٍ .. بل لو قال أحدهم أنا كلب، وأفكر بأن أكون كلباً، يصبح كلباً، ويجب أن تعامله ككلب .. وقد استوقفت على كلمة لامرأة معاقة نفسياً قبل أن تكون معاقة جسدياً، ممن يدعون لهذا القانون الخرافي .. في منشور لها تقول فيه:” أنوي أن أحقق العظَمَة “!، وبغض النظر عن العظمة التي تقصدها وتريدها .. قد تكون عظمة الجنون، والعجب، والغرور .. فهي يكفي لكي تحقق العظمة أن تنوي، وأن تفكر .. ثم العظمة تأتيها راغمة، وتتحقق لها!!

        وهذا القانون إضافة إلى أنه قانون خرافي، لا دليل عليه من النقل ولا العقل .. بل أدلة النقل والعقل بخلافه .. فإنه يترتب عليه مزالق عقدية وشرعية عديدة، وخطيرة على دين المسلم .. وما كنت لأتكلم عنه، أو أنشغل به ــ لتهافته وضعفه ــ لولا أن كثيراً من أبنائنا وبناتنا قد تأثروا به، وأصغوا لدجل دُعاته .. وانعكس ذلك سلباً على سلوكهم، وأخلاقهم، ودينهم!
من هذه المزالق والمآخذ: إنكارهم لعقيدة القضاء والقدر، أحد أركان الإيمان .. والذي لا يُقبَل الإيمان إلا به .. فهم لا يؤمنون بالقَدَر، وأن ما مِن شيء إلا بقدَر .. فالتفكير عندهم هو الذي يحدث القدر، وهو ند للقدَر، وأنت وما تفكر به .. فتفكيرك هو قدرك .. وما تفكر به يتحقق لك .. ولا دخل للقدَر بواقعِك، ولا بما يُصيبك، وما قد أصابك!
ومنها: أنهم يكرهون جداً أن يعلقوا أفعالهم وتفكيرهم، وإراداتهم بمشيئة الله .. كأن يقول: سأفعل كذا .. وأكون كذا، وأصبح كذا إن شاء الله .. لأن التفكير بالشيء ــ عندهم ــ سيحقق ويجذب لك الشيء الذي تفكر به حرفياً، لا محالة .. لا يتخلف منه شيء .. وبالتالي لا داعي لأن تعلق إنجاز هذا الشيء بأي مشيئة أخرى غير التفكير .. ولا أن تقول: إن شاء الله .. ولو قلت: إن شاء الله .. فهذا عندهم يعني أنك تشك بإمكانية تحقيق جاذبية التفكير .. والله تعالى يقول:[ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً . إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ]الكهف:23-24. [ وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ]التكوير:29.

        ومنها: إنكارهم لمبدأ البلاء الذي خلق الله عليه الحياة في الأرض، كما قال تعالى:[ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ]الملك:2. وقوله تعالى:[ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ]محمد:31. وقوله تعالى:[ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ]البقرة:155. ويقولون لا وجود للبلاء إلا في تفكيرك، فأنت إذا فكرت أن تكون فقيراً تكون فقيراً، وإذا فكرت أن تكون غنياً تكون غنياً …!

        وهم عندما يعيشون أنواعاً من البلاءات لا طاقة لهم بها .. ولا مردَّ لها مهما فكروا بها وبردها، وبخلافها .. ثم أنهم لا يؤمنون بأن البلاء مُقَدَّر من الله؛ لحِكَم عديدة .. تراهم يُصابون بالكآبة، وضيق الصدر، وبأمراض نفسية عديدة قد تؤدي بهم إلى الانتحار!
ومنها: أنهم بقانونهم الخرافي الشركي هذا يلغون عقيدة ومبدأ التوكل على الله؛ والذي يعني أن تسعى، وتأخذ بالأسباب المشروعة، ثم تتوكل على الله، وتعلق النتائج بتقدير الله وتوفيقه .. وقد يحقق الله تعالى ما سعيت له، وقد يدفعه عنك، ويمنعك منه، لحكَم عدية .. فليس كل من سعى وصل إلَّا أن يشاء الله، [ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ]البقرة:216. فعندهم يكفي أن تفكر بالشيء ليتحقق لك هذا الشيء، وينجذب إليك هذا الشيء، حرفياً كما فكرت وأردت .. سواء توكلت أم لم تتوكل .. فالتوكل ليس له أي أثر على واقعك وحياتك .. وهذا القول منهم ــ على خطورته على إيمان المرء ــ يقتضي منهم التواكل على التفكير، وعلى اقتصار أن يقول أحدهم: نويت …!!

        ومنها: أن هذا القانون الخرافي، يتعارض مع العقل والواقع المشَاهَد .. فالله تعالى خلق العباد متفاوتين في القُدرات، والمهارات، والاهتمامات، والفرص .. ليستخدم بعضهم بعضاً كل في مهنته، وفيما يتقنه .. وليتحقق التنوع في المهام والوظائف والأعمال الذي به تكتمل الحياة وتعمر وتستمر .. كما قال تعالى:[ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ]الأنعام:165. وقال تعالى:[ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً ]الزخرف:32. تصوروا كيف ستكون الحياة ــ أو هل يمكن أن تستمر ــ لو كان كل الناس ذا طيفٍ ولونٍ واحد .. كلهم أغنياء، أو كلهم أطباء، أو كلهم مهندسون، أو كلهم أمراء، وملوك، ورؤساء، وقادة .. وعلماء ومؤلفون .. أو كلهم حدادون أو نجارون، أو مزارعون، أو جنود، أو عمال بناء، أو عمال قمامة .. هل يمكن للحياة أن تستمر بهذا النسيج أو اللون الواحد لجميع الناس في جميع المجتمعات …؟!

        بينما دعاة قانون الجذب الخرافي الذين يسيرون في الاتجاه المعاكس، يهونون الأمر، ويقولون: من خلال الجذب والتفكير، يكفي أن تفكر بأن تكون غنياً، لتصبح غنياً .. أو أن تفكر بأن تكون طبيباً لتكون طبيباً .. أو أن تفكر أن يكون حولك الخدم والحشم ليتحقق لك ذلك .. ومَن الذي لا يرغب من الناس أن يكون غنياً أو طبيباً، أو رئيساً، وقائداً إذا كان يتحقق له ذلك بمجرد التفكير وبهذه السهولة ..؟! فيصبح المجتمع كله ــ على قولهم ــ ذو طبقة واحدة .. ولون واحد .. ومهنة واحدة .. وهذا قول مرفوض ومردود بالنقل، والعقل، والواقع المُشاهَد!

        ومنها: أن قانون الجذب الخرافي مؤداه أن يجعل من الكون والطبيعة نداً لله تعالى .. فالكون هو الذي يمنحك بالطاقة، ويحقق لك الجذب والانجذاب نحو ما تفكر به وتريده .. من دون الله .. فإن كنت سائلاً فاسأل الكون والطبيعة .. وإن تعلق قلبك بشيء فليتعلق بالكون والطبيعة .. وهذه هندوسية بوذية شركية باطلة .. والله تعالى يقول:[ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ]البقرة:22. [ وَجَعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ ]إبراهيم:30.
ومنها: لكي يمرر دعاة قانون الجذب الخرافي من بني جلدتنا باطلهم وكفرهم على المسلمين، يستخدموا بعض المصطلحات الشرعية والدينية ليوهموهم بأن ما يقولون به هو مستمد من دين الله .. ولهم عليه مستند من دين الله .. وهم بذلك كاذبون مخادعون، ودجَّالون .. هم العدو الجديد .. فاحذروهم!

        ومنها: فإن قيل: هل يفهم مما تقدم ذكره أعلاه، أنه لا يجوز للمرء أن يفكر في الأمور العالية الرفيعة، وأن يضع لنفسه أهدافاً كبيرة ورفيعة ويفكر بها، وكيف يحققها …؟!

        أقول: لا .. لا يوجد ما يمنع من ذلك .. بل يجب على المرء أن يُهدّف حياته، وأن يضع لنفسه وحياته أهدافاً عالية نبيلة .. وذلك بشروط:

        1- أن لا يقتصر مسعاه على مجرد التفكير والنية .. ثم يتواكل على قانون الجذب الخرافي الشركي .. وإنما مع التفكير، والاهتمام، والإرادة، والعزيمة يسعى، ويتحرك، ويأخذ بجميع الأسباب التي توصله إلى غاياته وأهدافه المشروعة.

        2- أن يتوكل على الله، ويعلق قلبه بالله، ويعتقد أن التوفيق كله من عند الله.

        3- أن لا يعلق قلبه بالأسباب، وإنما بخالق الأسباب .. وأن يعتقد أنه مهما أخذ بالأسباب ــ على أهميتها ــ لا يصل إلى غايته وهدفه إلا أن يشاء الله .. فكم هم الذين سعوا وأخذوا بالأسباب .. واستوفوا جميع الأسباب .. ثم لم يصلوا إلى غايتهم، ولم يحققوا هدفهم .. فتخطفتهم الآجال، والحوادث، والمصائب، قبل أن يحققوا أهدافهم المنشودة .. وما أكثر الشواهد من النقل الصحيح، والواقع المشاهَد الدالة على ذلك .. لنعلم أن الأسباب لا يمكن أن تعمل عملها بمفردها من دون الله .. ولنعلم أنه لا يكون شيء في مملكة الله إلا بإذنه ومشيئته وتقديره .. ولتبقى القلوب معلقة بخالقها تسأله النجاح والتوفيق، وتحقيق الآمال والغايات في الدنيا والآخرة.

عبد المنعم مصطفى حليمة

أبو بصير الطرطوسي

9/9/2023

www.altartousi.net

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.