موقع ملتزم بالتحاكم إلى الكتاب والسنة على ضوء فهم السلف الصالح بعيداً عن التعصب

الطَّاقَةُ السَّلبيَّةُ، والطَّاقَةُ الإيجابيَّةُ

الطاقة السلبية، والطاقة الإيجابية

0 464

الطَّاقَةُ السَّلبيَّةُ، والطَّاقَةُ الإيجابيَّةُ

        من المفاهيم والإطلاقات التي جاء بها الإسلام، وأقرها العقل: الحق، والباطل .. الحلال، والحرام .. الخير، والشر .. الكفر، والإيمان .. كافر، ومؤمن .. شرك، ومشرك .. نفاق، ومنافق .. فاسق، وفسق .. ظالم، وظلم .. سُوء الخُلق، وسيء الأخلاق .. حُسْنُ الخُلُق، وحَسَنُ الأخْلَاق .. البلاء بنوعيه: الخير، والشر .. الحب، والبغض .. الكآبة، والقلق، والهم، وضيق الصدر، والحزن .. وغيرها من المفاهيم والإطلاقات الواردة في الكتاب والسنة، وفي لغة العرب، ولغات الناس .. والتي لكل مفهوم وإطلاق معناه ودلالته، وحكمه، وأثره .. هذه المفاهيم والاطلاقات غيبها الوثنيون من دعاة ” الإلحاد الروحي ” لغرض خبيث في نفوسهم، واختزلوها بكلمتين: الطاقة السلبية، والطاقة الإيجابية .. فإذا أرادوا أن يعبروا عن شيء جيد، قالوا عنه: طاقة إيجابية .. وإذا أرادوا أن يعبروا عن شيء سيء .. قالوا عنه: طاقة سلبية .. وقد انطلت هذه الخدعة والأكذوبة على كثير من أبنائنا وبناتنا .. وكان لهذه الخدعة الكاذبة انعكاسات ومزالق خطيرة على سلوكهم، وأخلاقهم، ودينهم .. من أهم هذه الانعكاسات والمزالق:
1- تغييب المصطلحات والمفاهيم الشرعية الآنفة الذكر أعلاه عن ساحة الاعتقاد، والشعور .. وبالتالي عن ساحة السلوك والفعل، والتعامل مع الآخرين.
2- تغييب معالم الحق، والباطل .. الكفر، والإيمان .. الخير، والشر .. كان مؤداه إلى تغييب التمايز .. وتغييب عقيدة الولاء، والبراء .. والحب والكره في الله.
3- عند غياب المفاهيم الشرعية الضَّابطة، والحاكمة على الأشياء .. يكون البديل عنها ذوق، ومزاج، ورغبة الإنسان؛ فما يستحسنه، ويميل إليه، ويرغبه ــ وإن كان باطلاً في ميزان شرع الله المنزَّل ــ يسميه طاقة إيجابية .. وما لا يستحسنه، ولا يميل إليه، ولا يرغبه ــ وإن كان حقاً في ميزان شرع الله المنَزَّل ــ يسميه طاقة سلبية .. فيكون بذلك عابداً لهواه من دون الله؛ فما يراه زين؛ فهو زين .. وما يراه شين؛ فهو شين .. وهذا الصنف من الناس يحمل عليهم قوله تعالى:[ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ]الفرقان:43.
4- مدخل واسع للوثنيَّة، وللشرك والكفر .. فقولهم عن ” الطاقة السلبية، والطاقة الإيجابية “؛ لم يقتصر على المفاهيم، والمعاني .. فإنهم يحملونه على الجمادات، والطبيعة، والحيوانات .. فترى أحدهم يقول عن كلبه: كلبي يعطيني طاقة إيجابية، ويأخذ مني الطاقة السلبية .. فيرد النفع والضر لكلبه من دون الله .. وكذلك تراه يقول عن قطته: تعطيني طاقة إيجابية .. وعن الشجرة .. وعن البقرة .. وعن القمر، والشمس .. وعن الطبيعة من حوله .. وعن الأصنام يقول ذلك .. فهو إذ يعبد الصنم؛ يعبده لأنه يعطيه طاقة إيجابية، ويأخذ منه الطاقة السلبية .. حتى أن عبدَة الشيطان يبررون عبادتهم للشيطان بالطاقة الإيجابية والطاقة السلبية .. فالطاقة السلبية، والطاقة الإيجابية ــ والتي قد تختلف من شخص لآخر ــ هي المبرر لكل شرك، ووثنية، وهي المقياس والحكَم على الأشياء، وعلى الأفعال، والسلوك .. وفي ذلك تغييب، وإلغاء صريح لعقيدة أن النفع، والضر، والخير، والشر بيد الله .. وأن النافع، والضار هو الله تعالى وحده، كما في قوله تعالى:[ وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ ]الأنعام:17. وقوله تعالى:[ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونِ ]يس:23. وقوله تعالى:[ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ]الزمر:38. وغيرها كثير من الآيات.
5- عندما يكون المصطلح متشابهاً حمَّال أوجه ومعان، وجانب البطلان والشر فيه غالب على جانب الحق والخير، كمصطلح ومفهوم ” الطَّاقَةُ السَّلبيَّةُ، والطَّاقَةُ الإيجابيَّةُ “، حينئذٍ من السلامة استخدام المصطلحات والمفاهيم المحكمة الدالة على المعنى والمراد، والتي لا يمكن صرفها إلى معنى خاطئ، كأن يُقال مثلاً: فلان يغرس فيّ الأمل، والثقة بالنفس، ويشجعني على التقدم، والإنجاز النافع، ويرغبني بفعل الخير، ونحو ذلك .. فهذا خير وأحسن، وأصدق في الدلالة من أن يقال: فلان يعطيني طاقة إيجابية .. والعكس كذلك، أن يقال: فلان يحبطني، ويثبطني عن فعل الخير، ويقتل في الأملَ، والإنجاز والإبداع، والثقة بالنفس، ونحو ذلك .. فهذا خير وأحسن، وأصدق في الدلالة، من أن يقال: فلان يعطيني طاقة سلبية .. قال تعالى:[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا ]؛ حيثُ كان المؤمنُون يَسْتَخْدِمُون هذا المصْطَلَح ” رَاعِنَا “، في مُخاطبتِهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو من الرِّعايةِ والمرَاعاة .. لا حرجَ فيه .. لكن لمَّا كان في لغةِ اليهودِ، يُمكن صَرفُهُ وتحريفُه إلى معنى خاطِئ ” الرُّعونة “، وكانوا يُخاطِبُون النبيَّ صلى الله عليه وسلم بهذا المصطلح، على هذا القَصْدِ .. وفرحوا بأنَّهم كانوا يَشتمون النبيَّ صلى الله عليه وسلم سراً، فأصبحُوا يَشتمونَه عَلانيةً، ولا أحَدَ يَتَنبَّه لهم .. لكنّ الله تعالى لا يَخفى عليه شيءٌ، يَعلم ما في نفوسِهم، وما تُكنُّ صُدُورهم .. فأوحى إلى المؤمنين بأن لا يَستخدِمُوا هذه الكلمة ” رَاعِنَا ” في مخاطبتِهم للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأن يَحذَرُوا ويُعَاقِبُوا كُلَّ مَن يَسْتَخْدمها .. ثم دلَّهم على البديلِ عنها، وما هو خير منها؛ على كلمةٍ مُحْكَمَةٍ لا يُمكنُ التَّلاعبُ بها، ولا صَرفُهَا إلى معنى خاطِئ، [ وَقُولُواْ انظُرْنَا ]البقرة:104. أي انتَظِرْنا، وأمْهِلنَا، حتَّى نفهمَ، ونَحفظَ عنك .. ويُقاسُ على كلمةِ راعِنَا وانْظرْنا كل مُصطلحٍ مُعُاصر مُحدَث حمّالُ أوجُهٍ ومَعَانٍ، يمكن صرفه إلى معان خاطئة!

عبد المنعم مصطفى حليمة

أبو بصير الطرطوسي

www.altartosi.net

18/05/2023

 

قد يعجبك:

الإلحاد الروحي وخطره على العقيدة والعقل للدكتور هيثم طلعت

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.