موقع ملتزم بالتحاكم إلى الكتاب والسنة على ضوء فهم السلف الصالح بعيداً عن التعصب

وقفة مع مقالة ” هل أخطأنا بالثورة ” للدكتور معن عبد القادر

0 1٬666

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.

قال الدكتور في رده على من يعتبر الثورة هي خروج على الحاكم:” نلخص الخروج الذي حذّر منه أهل العلم في أمرين:

الأول: خروج الشَّوكة، أي الخروج بالسلاح على الحاكم المتمكّن.

الثاني: نزع يد الطاعة من إمام شرعي بعد إعطائه البيعة، دون وجود سبب شرعي لذلك.
والسوريون لا ينطبق عليهم كلا الوصفين للخروج. أما الثاني فأظهر من أن يبين، وأما الأول فهم لم يخرجوا بالسلاح لخلع الحاكم ابتداء، وإنما ــ وكما رأينا في الفرضية الأولى ــ ذهب ثلة من الآباء لاستنقاذ أبنائهم، فلما أهينوا خرج الناس لنصرتهم، فـ “المسلم أخو المسلم لا يَظلمُه ولا يخذُله ولا يُسلمه” .. خرجوا مسالمين، مطالبين بأبسط حقوقهم، فلما قوبلوا بالرصاص اضطروا إلى حمل السلاح دفاعاً عن أنفسهم …”ا- هـ.

أقول: قوله:” خروج الشَّوكة، أي الخروج بالسلاح على الحاكم المتمكّن “، من دون أن يبين صفة هذا المتمكّن، وإنما جعل ” التمكّن ” علة كافية تمنع من الخروج عليه .. وهذا قول باطل مردود عليه بالنَّقل والعقل، لم يقل به عالم معتبر، ولا يوجد نص واحد يعلل بعدم الخروج على الحاكم إذا تحقق له التمكّن، مهما بدر منه من كفر بواح، وظلم للعباد، وانتهاك للحقوق، والحرمات.

وهو بخلاف ما دل عليه النص، وتحقق فيه الإجماع، من أن الحاكم حتى لو كان متمكناً، يخرج عليه بالقوة ــ إن توفرت وتحققت ــ وينازع في الحكم، في حالة رُئي منه كفر بواح لنا فيه من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم برهان، كما في الحديث المتفق عليه، عن عبادة بن الصامت قال:” دعانا النبيُّ صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فيما أخذ علينا، أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويُسرنا، وأثرةٍ علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان “. قال ابن حجر في الفتح 13/7: إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك، بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها ا- هـ.

وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم 12/229: قال القاضي عياض: أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل، وقال وكذا لو ترك إقامة الصلاة والدعاء إليها ا- هـ.

كما أنه يُخرَج عليه وينازع في الحكم، عندما يكون شديد الظلم، والفساد، والسَّفه، ويكون الخروج عليه أقل ضرراً وتكلفة من إقراره في الحكم، عملاً بأدلة القاعدة الشرعية التي تنص على أن ” الضرر الأكبر يُزال ويُدفع بالضرر الأصغر “، ” ودفع أكبر المفسدتين، وأكبر الشرين، بأقلهما مفسدة، وشراً “[[1]]. 

والطاغوت بشار الأسد، وقبله أبوه المقبور حافظ الأسد، قد اجتمع فيهما، وفي حكمهما أغلظ وأشد أنواع الكفر، والظلم، والفساد، والإجرام، والسّفه ..!

اجتمع فيهما وفي حكمهما جميع مبررات ومسوغات الخروج على الحاكم والثورة عليه، التي دل عليها النقل والعقل، واقتضتها المروءة والعزة، وأجمع عليها جميع العقلاء، وبالتالي فالدكتور ليس بحاجة لأن يبرر للثورة بأن النظام الأسدي المجرم هو الذي ابتدأ العدوان على أطفال درعا، وذويهم .. ولو لم يفعل .. أو لو أحسن التعامل معهم، لما كانت الثورة، ولما خرجنا عليه بالقوة .. وكأن النظام النصيري المجرم ليس في صحائف حكمه ونظامه ــ ما يستدعي الخروج عليه ــ إلا جريمة عدوانه على أطفال درعا؟!   

ولو أردنا أن نعدد مظاهر كفر، وظلم، وإجرام، وفساد، وخيانة، وعمالة النظام الأسدي النصيري المجرم منذ نشأته وتسلطه على الحكم في سوريا، وإلى يومنا هذا، لسودنا مئات الصفحات ولما انتهينا .. ولا أظن هناك من يجادلنا في ذلك .. ولأجل مجموع هذه المظاهر المتراكمة بعضها فوق بعض، كانت الثورة، وكان انفجار بركانها المرتقب! 

ويُقال أيضاً: الفاطميون حكموا مصر لمئات السنين، وكانوا حكاماً متمكنين، ومع ذلك ــ لكفرهم وزندقتهم وظلمهم ــ أجمع العلماء، على وجوب الخروج على دولتهم وحكامهم .. وأن لا سمع ولا طاعة لهم .. إلى أن خرج عليهم صلاح الدين الأيوبي، وأزال ملكهم وحكمهم.

وكذلك الصليبيون حكموا بيت المقدس لأكثر من ثمانين سنة، وكانوا متمكنين في حكمهم .. وتمكنهم لم يكن مانعاً من قتالهم، وإجلائهم عن المدينة المقدسة!

وكذلك التتار حكموا بلاد المسلمين عشرات السنين، وكانوا متمكنين في حكمهم، ومع ذلك لم يحصل خلاف على وجوب جهادهم وقتالهم، ولم يكن التمكن مانعاً من ذلك!

واليوم حكام اليهود متمكنون من حكم فلسطين، ولأكثر من سبعين سنة .. فهل يُقال لتمكنهم من الحكم، ولكونهم أصبحوا حكاماً متمكنين، لم يعد يجوز الخروج عليهم ..؟!

ولو كان كل باطل تمكن وأصبح متمكناً، يحرم قتاله ومقاومته، والخروج عليه لكون متمكناً .. لضاعت حقوق، وديار وأوطان، وانتهكت حرمات وأعراض .. ولتعطّل الجهاد، واستمرأت الشعوب الذل، والهوان، والعبودية للطواغيت الظالمين … بينما الجهاد باقٍ وماضٍ ــ بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ــ إلى يوم القيامة.

ومن قبل: قال بعض شيوخ السلطان بعدم جواز الخروج على بريمر الأمريكي، لأنه قد أصبح حاكماً رسمياً ومتمكناً في العراق .. وهذه النغمة الشيطانية يبدو قد راجت، ووجد ــ وللأسف ــ من يُصغي إليها! 

من أكبر الأخطاء التي وقع فيها بعض الشيوخ السوريين ــ وصاحب المقالة المشار إليها أعلاه، لا يبتعد كثيراً عن هذا الخطأ ــ: هو قولهم: أننا خرجنا على النظام الأسدي، لأنه مستبد، وديكتاتوري، ومن أجل الحرية، وليس لأنه كافر محارب لله ولرسوله، وللمؤمنين، ولدينهم …!

وهذا القول خطأ كبير من ثلاثة أوجه:

أولها: أنه ألغى مبدأ الجهاد في سبيل الله، ذوداً عن حرمات الله ودينه، ولكي تكون كلمة الله هي العليا، الذي دلت عليه مئات النصوص الشرعية من الكتاب والسنّة، فالجهاد يُشرَع في الإسلام لمعنيين: للدفاع عن حق الله تعالى، ودفع العدوان عن دينه، وحرماته. وللذود عن حقوق العباد وحرماتهم، وأعراضهم، وأوطانهم، ومظالمهم، وقوله صلى الله عليه وسلم:” من قاتَل لتكون كلمةُ اللهِ هي العُليا، فهو في سبيل اللهِ “مسلم. يشمل المعنيين معاً.   

ننشد عون ومدد ونصر الله تعالى، ثم نخذله ونخذل دينه .. كيف؟! .. والله تعالى يقول:[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ]محمد:7.

ثانيها: خطأ وظلم بحق ثوار ومجاهدي وشهداء الشام، الذين استشهدوا، وقاتلوا النظام النصيري الأسدي المجرم، دفاعاً عن حرمات الدِّين، والعِرض، والمال، والأرض، وغير ذلك من الحقوق والحرمات، والمظالم التي يُشرَع الجهاد دونها في سبيل الله .. والتي بزوالها أو انتهاكها تزول معها وتُنتهك العزة، والكرامة، والحرية، وإنسانية الإنسان.

ثالثها: كلما كثرت مبررات ومسوغات قتال النظام الأسدي المجرم والعميل، كلما كان ذلك حافزاً للمجاهد على أن يستمر في الجهاد والقتال، والثورة على الطاغوت ونظامه، إلى آخر أنفاس حياته .. إما النصر أو الشهادة .. فمثلاً أن يُقال لمجاهدي وثوار الشام: أنتم تقاتلون النظام الأسدي النصيري المجرم، وتثورون عليه، لأنه نظام كافر يحارب الله ورسوله والمؤمنين، ويحارب دينه، ولأنه مجرم، وظالم مستبد، وقاتل وإرهابي، وفاسد، وعميل، وخائن .. فهذا يكون حافزاً لهم على الاستمرار في القتال، والجهاد، والثورة، والثبات، أكثر بكثير من أن يُقال لهم: أنتم تقاتلون النظام الأسدي لأنه مستبد، وضد الحرية .. فقط .. فحينئذٍ قد يضعفون عن الاستمرار في الجهاد والمقاومة والتضحية، وعن مواجهة الشدائد التي واجهتهم طيلة أكثر من ست سنوات، ولا تزال تواجههم، وبخاصة أن ميزان الاستبداد، والحرية غير منضبط لديهم!

ليس لصالح الثورة أن نفرّغ شبابنا ومجاهدينا من الحوافز والبواعث العقديّة، والإيمانية .. فنحن لو فعلنا ذلك نقتل جذوة الثورة وروح المقاومة في نفوس شبابنا وأبنائنا، وشعبنا .. فالعدو يُقاتلنا في الشام من منطلقات ودوافع عقدية باطلة ــ لإدراكه بأهمية هذه الدوافع والحوافز في ثبات واستمرار مقاتليه ــ لا يقوى على مواجهته ودفعه وتحجيمه إلا مقاتلون ومجاهدون يتحلون بحوافز عقدية وإيمانية عالية صحيحة، وهي حق لا مرية فيه. 

أذكر في الثمانينات من القرن الماضي أننا قد خرجنا على الطاغوت المقبور الهالك حافظ الأسد، وكان الشباب يتسابقون ويتنافسون فيما بينهم على جهاده وقتاله، ورد عدوانه، والاستشهاد في سبيل الله   .. إلى أن أحدَث حزب ” الإخوان المسلمون “، التحالف المشؤوم؛ التحالف الوطني لتحرير سوريا في العراق، فتحالفوا بموجبه مع جميع ملل وأحزاب الكفر والنفاق والزندقة، التي تصف نفسها يومئذٍ بأنها معارضة ــ ومن دون أن يكون لها أي رصيد أو مقاتلين أو أثر في الداخل السوري ــ وتواطؤوا معهم على نظام ديمقراطي تعددي، وأن الثورة هي ثورة على الاستبداد السياسي ومن أجل الحرية وحسب .. وقد ترأس هذا التحالف يومئذٍ الدرزي حمود الشّوفي .. فقُتِلت ثورة الثمانينات في مهدها، وتجردت من بعدها العقدي الإيماني، أقوى أسلحتها في مواجهة الطغيان .. وتخلى عنها الشباب المسلم .. وتاهوا في الأمصار .. وأسدل على الثورة الستار، وآخر فصولها المؤلمة .. وأهديت للنظام الأسدي المجرم أحلى هدية، أنعشته على مدى عقود عديدة تالية، ورّث خلالها ابنه الطاغية المعتوه والخائن العميل بشار الأسد، الحكم من بعده!

وإني لأرجو من مشايخ هذه المرحلة أن لا يكرروا أخطاء مشايخ تلك المرحلة .. حتى لا تتكرر مأساة سوريا من جديد .. ويتيه شعبنا من جديد عشرات السّنين في الأمصار، كما تهنا نحن من قبل .. ويأتي اليوم الذي يورّث فيه بشار الأسد الحكم لابنه حافظ الأسد، كما ورّث من قبل حافظ بشاراً .. لعنهم الله .. وتستمر المأساة .. وتستمر المحنة! 

 

عبد المنعم مصطفى حليمة

” أبو بصير الطرطوسي “

23/12/2017

www.abubaseer.bizland.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.