موقع ملتزم بالتحاكم إلى الكتاب والسنة على ضوء فهم السلف الصالح بعيداً عن التعصب

التقية

0 323

س598: شيخنا الفاضل حفظكم الله، قرأت في كتابكم ” حالات يجوز فيها إظهار الكفر “أن المستضعفين تجوز لهم التقية .. أنا مقتنع بما أوردتموه ، ولكن هناك ما أشكل علي: كيف نوفق بين جواز التقية حين الاستضعاف وإلزام الله I للمسلمين بإظهار دينهم في مكة بالكفر بالطواغيت جهاراً نهاراً ، وتغييب دين المشركين ، والبراءة منهم ومن معبوداتهم الباطلة حتى لاقوا من العذاب ما لاقوه وهم المستضعفون حقاً ؟؟
وهل القول بجواز التقية يعني حصر العمل بـ ” ملة إبراهيم ” في وقت تكون فيه العزة للإسلام وعند قيام دولته .. فإنك إن سألت داعية من الدعاة عن عدم إعلانه البراءة من الطواغيت المشرعين على الملأ .. يجيبك: إنها تقية وإننا في زمن الاستضعاف وبطش الطغاة .. فما  هو جوابكم .. وجزاكم الله خيراً؟ 

الجواب: الحمد لله رب العالمين. أجيب على السؤال في النقاط التالية:
1- العمل بالتقية رخصة .. العمل بها جائز ومباح ولكن لا يجب.
2- العمل بالتقية مفضول، والأخذ بالعزيمة والعمل بها أفضل .. وهذا الذي كان عليه أكثر السلف والصحابة.
3- لا يجوز افتراض التقية بحق النبيِّ صلى الله عليه وسلم .. فهي جائزة لأمته من دونه؛ لأنه مأمور بالبيان والصدع بما يوحى إليه في كل أحواله وظروفه .. وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم.
4- كما لا يجوز افتراض اجتماع الأمة على التقية .. فأمة الإسلام لا تجتمع على التقية، كما أنها لا تجتمع على ضلالة؛ فلا بد من أن يقوم أنفار من الأمة ليبينوا ما سكت عنه الآخرون تقية .. ولو حصل أن سكت الجميع تقية فهم آثمون جميعاً إلى أن يقوم منهم من يظهر الحق.
5- يجوز العمل بالتقية عندما يُحاصَر المسلم بين أظهر المجرمين الكافرين الظالمين .. فلا يستطيع الخروج عليهم، ولا النفاد والخروج من سلطانهم .. ويخاف على نفسه وأهله وماله منهم .. وكان خوفه منهم محققاً وراجحاً .. فحينئذٍ يجوز له أن يواليهم باللسان تقية بالقدر الذي يدفع به أذاهم عنه من غير زيادة .. على أن يُضمر لهم العداوة في القلب .. وأن لا يُعينهم على مسلم بقول أو فعل.
6- لا يجوز التوسع بالعمل بالتقية أكثر من القدر الذي يدفع به أذى الآخرين عنه؛ فإذا كان مثلاً خمس كلمات تكفي لدفع أذاهم عنه، فلا يجوز أن يزيد عليها كلمة واحدة فما فوق، ولو فعل فهو آثم ولا يُعذر بالتقية؛ لأنه قال الكلمات الزائدة من تلقاء نفسه من غير ضرورة ولا حاجة، وهو مثله مثل من يُطالب أن يكفر بكلمة واحدة .. فيعطيهم عشر كلمات طواعية .. فهو معذور بواحدة .. وآثم وملام بتسع كلمات، لأنه لم يكن مضطراً لها ولا مُطالباً بها!
وكذلك لو استطاع أن يلجأ إلى المعاريض .. وكانت تكفيه وتغنيه عن استخدام العبارات الدالة صراحة على الموالاة أو الكفر .. فإنه لا يجوز له حينئذٍ أن يلجأ للترخص للعمل بالتقية؛ لأنه وجد ما يُغنيه عنها .. ويدفع به أذى القوم عنه.
بهذه القيود والشروط يجوز العمل بالتقية وإلا فلا .. فإذا عرفت هذا الذي تقدم أرجو أن يكون قد ذهب عنك ما أشكل عليك وأوردته في سؤالك أعلاه، والحمد لله رب العالمين.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.