موقع ملتزم بالتحاكم إلى الكتاب والسنة على ضوء فهم السلف الصالح بعيداً عن التعصب

اختلاف نسخ القرآن

0 349
          س646: وردنا السؤال التالي على موقعنا ” هداية الحيارى “: لماذا تختلف نسخ القرآن إذا كان محفوظاً من الله، وما معنى سبعة أحرف .. نرجو منكم الإجابة .. جُزيتم الجنة؟

          الجواب: الحمد لله رب العالمين. لا يوجد اختلاف بين نسخ القرآن الكريم، وهذا التباين الملحوظ في بعض النسخ المطبوعة فمرده إلى أن بعض النسخ قد طُبعت مؤخراً على قراءة ورش وهي القراءة السائدة في المغرب العربي، وبعضها تُطبع على قراءة حفص عن عاصم مراعية الرسم العثماني الأول، وهي القراءة السائدة في الجزيرة، والشام، وغيرها من الأمصار .. وكلا القراءتين ـ على وجود بعض التباين بينهما في بعض المدود، والأحرف، والألفاظ ـ متواترتان وثابتتان عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يتنافى مع كون القرآن محفوظاً من الله تعالى، فالقرآن محفوظ كتنزيل ومحفوظ كتلاوة وقراءة ثابتة السند إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومنه إلى الوحي جبريل عليه السلام.
          ودرءاً لحصول مثل هذا الالتباس كنت أفضل أن تبقى المصاحف تُنسخ على أساس الرسم العثماني كما كتب في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه من دون أدنى تغيير، وليس على أساس القراءات!
          ومعنى سبعة أحرف التي نزل بها القرآن الكريم، كما ورد ذلك في الحديث الصحيح:” أقرأني جبريل على حرف فراجعته، ثم لم أزل أستزيده فيزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف“. وقال صلى الله عليه وسلم:” إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه “. أي أن الله تعالى أنزل القرآن على سبعة أوجه من المعاني المتفقة بألفاظ مختلفة، كل وجه منها يُسمى حرفاً؛ كما في قوله تعالى:) مالِك يوم الدين ( وفي قراءة ) ملِكِ يوم الدين (. وكذلك قوله تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا (، وفي قراءة ) فتثبتوا (. وكذلك قوله تعالى:) كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ ( وفي قراءة) سعَوا فيه (.
          وعن أُبي بن كعب قال:” قرأت آية، وقرأ ابن مسعود آية خلافها، وقرأ رجل آخر خلافها، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ألم تقرأ آية كذا؟ وقال ابن مسعود: ألم تقرأ آية كذا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ” كلكم محسن مجمل ” وقال:” يا أُبي إني أُقرئت القرآن فقلت: على حرف أو حرفين؟ فقال لي الملك: على حرفين، فقلت: على حرفين أو ثلاثة؟ فقال: على ثلاثة، هكذا حتى بلغ سبعة أحرف، ليس فيها إلا شافٍ كافٍ؛ قلتَ غفوراً رحيماً، أو قلت سميعاً حكيماً، أو قلت عليماً حكيماً، أو قلت عزيزاً حكيماً أي ذلك قلت فإنه كذلك “. وفي رواية:” فكل شافٍ كاف إلا أن تخلط آية رحمة بآية عذاب، وآية عذاب بآية رحمة “.
          قال أبو عمر ابن عبد البر: إنما أراد بهذا ضرب المثل للحروف التي نزل القرآن عليها أنها معانٍ متفق مفهومها، مختلف مسموعها، لا يكون في شيء منها معنى وضده، ولا وجه يخالف معنى وجهٍ خلافاً ينفيه ويُضاده، كالرحمة التي هي خلاف العذاب وضده ا- هـ.
          وقال الزُّهري: إنما هذه الأحرف في الأمر الواحد؛ وليست تختلف في حلال ولا حرام ا- هـ.
          والذي فعله عثمان ومن معه من الصحابة رضي الله عنه م أنهم جمعوا القرآن على حرفٍ واحد درءاً لحصول الخلاف والفتن والتفرق .. وهو المصحف الذي بين أيدي المسلمين اليوم. 

          وهذا القول هو قول جمهور أهل الفقه والحديث، وقد نصره الطبري في مقدمة تفسيره بطائفة كبيرة من الأحاديث والآثار .. والله تعالى أعلم. 
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.