موقع ملتزم بالتحاكم إلى الكتاب والسنة على ضوء فهم السلف الصالح بعيداً عن التعصب

رؤيةٌ سياسيّةٌ لمستقبلِ سوريا السّياسِي

رؤية سياسية لمستقبل سوريا السياسي

0 5٬185

رؤية سياسية لمستقبل سوريا السياسي

 

رؤيةٌ سياسيّةٌ لمستقبلِ سوريا السّياسِي

بسم الله الرحمن الرحيم

        ــ مقدمة هامّة:

          الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.

          كنّا نود مخلصين أن تكون جميع الطوائف السورية ــ النّصارى، والدروز، والنصيرية، وغيرها من الأقليات ــ لها اشتراك فاعل في الثورة ضد النظام الأسدي الطائفي المجرم، ليُعرَف لها معروفها وفضلها فيما بعد، وليُحسب لها حسابها عند الحديث عن الحقوق والواجبات، بعد أن تضع الحرب أوزارها .. لكن وللأسف قد استطاع النظام الأسدي المجرم، أن يحمل هذه الطوائف على أن تقف في صفه وتكون معه ضد الثورة، وضد من يساكنونهم ويُجاورونهم من الأكثرية السورية .. وأحسنهم حالاً من وقف على الحياد، يراقب الأحداث، والنتائج، ولمن ستكون الغلبة والعواقب؛ الحياد الظالم الذي ساوى بين الظالم والمظلوم، بين المجرم الجزار وضحيته .. ومن شذّ عن هذين الوصفين الآنفي الذكر لا يتجاوزون من كل طائفة أصابع الكفّين، والأحكام العامّة لا تُبنى على هذا الشاذ النادر، الذي سنشكره في وقته على قلته وندارته!

          ما تقدّم يعني وبكل وضوح، وكما هو معلوم للجميع، للقاصي والداني، للعدو والصديق .. أن مادة الثورة السورية، وجميع ضحاياها من الشهداء، والمعتقلين، والجرحى، والمهجّرين، الذين تجاوز تعدادهم الملايين، هم من المسلمين السُّنّة، الذين يمثلون الأكثرية والسواد الأعظم للشعب السوري، والذي يبلغ تعدادهم على أقل تقدير 85% من الشعب السوري، ومهما حاولت إيران وذنبها الخائن العميل أن يطمسوا هذه الحقيقة، ويتلاعبوا بهذا الرقم من خلال التّهجير، والتوطين المضاد، والتغيير الديمغرافي، لن يفلحوا في تغيير أو تغييب هذه الحقيقة.

          وبالتالي عند الحديث عن النظام السياسي الذي يحكم سوريا ما بعد الثورة، وعن الحقوق والواجبات، لا بد من مراعاة حقوق وتطلعات السّواد الأعظم للشعب السوري، والتي هي مطالب وتطلعات الثورة ذاتها، وبخاصّة أن الأقليات وعبر عقود عديدة ماضية قد أثبتت فشلها الذريع في حكمها وقيادتها لسورية؛ من حيث تحقيق التعايش الآمن والعادل، والمحترم بين جميع فئات المجتمع السوري، ومن حيث استقلال سوريا، والتقدم الإقتصادي والحضاري للدولة السورية، حيث كان الفساد بكل أبعاده هو السمة العامة لأنظمتهم ولفترات حكمهم للبلاد، كما أن تعاملهم مع الأكثرية والسواد الأعظم للشعب السوري ــ من خلال أجهزتهم الأمنية القمعية ــ يقوم على ركيزتين: القمع، والإرهاب، والقتل، والسجن والتعذيب، في أبشع صوره .. فإن فشلوا في تحقيق سيطرتهم من خلال هذا الأسلوب، أو ضعفوا عن السيطرة في مرحلة من المراحل، استقووا على هذه الأكثرية من الشعب السوري بالعدو الخارجي، وجعلوا البلاد مستباحة لكل كلب وعدو مستعمر متوحش وافد .. فهم لا يبالون أن تكون سوريا مرتعاً لكل عدو، ولأطماع كل مستعمر، مقابل أن يبقوا على سدة الحكم، وأن يبقى الشعب السوري ممثلاً بأكثريته ذليلاً، خائفاً، مستعبداً، مسلوب الحرية والكرامة.

          وهذه حالة مزرية لا تليقُ بسورية العظيمة ولا بأهلها الشّرفاء، ولا يجوز لها أن تدوم بعد الثورة، وبعد كل هذه التضحيات .. ونحن هنا نقترح تصوراً سياسياً لما بعد الثورة، يمنع سوريا بإذن الله، من العودة إلى الوراء، إلى عهد الفساد والاستبداد، والظلم والطغيان، والخيانة .. والاقتتال الداخلي .. وما سنقترحه هنا من ” رؤية سياسية ” قد لا يمثل أقصى طموحاتنا وتطلعاتنا وما نريد، وإنما راعينا فيه الواقعية السياسية، وإمكانية التحقيق، والحد الأدنى الذي لا يمكن تجاوزه، بحسب الظروف والمعطيات المحيطة بسوريا أرضاً، وشعباً، وثورة.  

          تتمثل هذه الرؤية السياسية في النقاط والمحاور التّالية:

          المحور الأول: تشكيل مجلس أمناء الثورة: هذا المجلس يمكن أن يُسمّى مجلس قيادة الثورة، أو مجلس شيوخ وحكماء الثورة، أو مجلس أمناء الثورة، لا مشاحّة في المسميات، المهم في المجلس الأعمال والمهام الموكلة إليه .. تكون له الكلمة الفصل، والأولى والعليا في الثورة .. كما تكون له الصفة التمثيلية المطلقة للثورة، وللحديث باسمها، وله على جميع الفصائل، والتَّجمعات، والمؤسسات، والكوادر الثورية حق السمع والطاعة في المعروف .. يُنتخَب أعضاء المجلس من صفوة قادة وعلماء الثورة الذين تحقق لهم القبول لدى غالبية الثوار والمجاهدين، وعُرِفوا بالدّراية، والأمانة، والعطاء، وصدق الولاء والانتماء للثورة الشاميّة المجيدة، ولأهدافها، وبالاستقلال التّام عن جميع الضغوط والروابط والتبعيات الخارجية التي تؤثر سلباً على عطائهم، وقراراتهم، ومهامهم، ودورهم المنشود .. يتكوّن عدد أعضاء المجلس ما بين أحد عشر شخصاً إلى واحدٍ وعشرين شخصاً، قابلاً للزيادة أو النّقصان بحسب ما تقتضيه الحاجة ومصلحة الثورة، مع التنبيه إلى أن التضخم الزائد لعدد أعضاء هذا المجلس قد يعيق من عمله وحركته، ويُضعِف من عطائه، وبخاصّة في مرحلة ما قبل النصر التام للثورة، وقيام الدولة المنشودة ما بعد العصابة الأسدية المجرمة .. يَنتخبون من بينهم رئيساً، وناطقاً إعلامياً رسمياً. 

          هذا المجلس كان ينبغي أن يتشكل منذ الأيام الأولى للثورة، وما تعيشه الثورة من مشاكل، وفراغ على جميع المستويات: السياسية، والعسكرية، والأمنيّة، والاقتصادية، والتربوية، والإعلامية، والدستورية مرد غالبها إلى غياب هذا المجلس الهام .. ومع ذلك أن يأتي هذا المجلس متأخّراً، ويرى النور متأخراً، خير من أن لا يتشكّل أبداً.   

          ولهذا المجلس مهمّتان أساسيتان:

          المهمة الأولى: ما قبل انتصار الثّورة، وتتمثل في الحفاظ على الثورة ومكاسبها من أن تُسرَق من قبل الأعداء، أو أن تنحرف مساراتها نحو الغلو والتنطع الذي يحرق كل شيء، أو الجفاء والتفريط الذي يفسد كل شيء.

          يكون للمجلس الحضور الفاعل والمؤثر والكلمة الفصل، عند كل منعطف من منعطفات الثورة؛ عند التفاوض، وتشكيل الفريق المفاوض، وما يُفاوَض عليه، وما لا يقبل التفاوض .. تقرير حالة السلم أو الحرب .. صياغة الدستور وما يتعلق به من أنشطة وأعمال .. وغير ذلك من المنعطفات الهامة التي تحدد مصير الثورة ومسارها.  

          الإشراف على الانتقال من حالة التفرق والتشرذم، والعمل الفصائلي، والفردي، إلى حالة العمل الجماعي والمؤسساتي، في جميع المجالات العسكرية، والأمنية، والتعليمية، والتربوية، والإعلامية، والاقتصادية .. وعلى مستوى جميع التراب السوري.

          يكون للمجلس الصفة الرقابية والتوجيهية على جميع الفصائل والمجالس، والتجمعات الثورية في حال ما أخطأت أو انحرفت عن مسار الثورة وأهدافها .. وتشهد على المحسن منها بأنه محسن، وتعزز إحسانه، وتشجعه، وعلى المسيء بأنه مسيء.

          يُرجَع إليه في حال المنازعات بين الفصائل والتجمعات، وحصول الخلاف فيما بينها .. ويكون حكمها وتوجيهها لفرقاء النزاع ملزماً للجميع .. وغير ذلك من المهام والأعمال الهامة والعامة التي توصل الثورة إلى بر الأمان بأقرب وقت، وأقصر طريق، وأقل تضحية ممكنة، بإذن الله.  

          المهمّة الثانية: ما بعد انتصار الثورة، حيث تأتي مرحلة تقسيم الغنائم، والمناصب، والحصص، فتستشرف الأنفس الخائنة المريضة والظالمة لتأخذ ما لا يحق لها .. وعلى حساب الشرفاء والمخلصين، الذين ضحوا بالغالي والنفيس .. ولو ترك الأمر حينها مَشَاعاً يقتطع من يشاء ما يشاء من الحصص والغنائم، لضاعت الثورة ومكتسباتها وأهدافها، ولاستبدل طاغية بطاغية، وظالم بظالم .. ولبكينا الثورة السورية العظمى، وتضحياتها العظيمة، كما بكينا من قبل ثورات الشعوب الحرة في أمصار شتى، لمّا سطا على ثوراتهم اللصوص، والخونة والعملاء!

          فالمجلس المشار إليه يكون له حينئذٍ حضوره الفاعل والمؤثر في الحفاظ على الثورة ومكتسباتها، وتحقيق أهدافها، كما يكون له حضوره عند تقسيم المغانم والحقوق والواجبات .. وإنصاف الصادقين المخلصين، من المنافقين المتسلقين الانتهازيين .. كما يكون له الدور الكبير في توعية الناس، وما لهم وما عليهم تجاه ثورتهم، وبلدهم، وأنفسهم.

          كل من يريد أن يعتلي منصباً سيادياً، أو وظيفة حكومية عامة وعليا في سوريا، لها صفة تمثيلية للنظام السياسي .. يجب أولاً أن يمر اسمه على هذا المجلس، وتُعرَض عليه سيرته الذاتية، ومواقفه السابقة من الثورة وأهلها .. ويكون له الحكم الفصل فيه، إن شاء أجازه، وإن شاء منع .. وهذا ليس غريباً أو جديداً في عالَم الأنظمة السياسية الحديثة، حيث كثير من هذه الأنظمة المعاصرة لها مجالسها العليا التي تكون لها كلمتها العليا والفصل في القضايا المفصلية الهامة، كمجلس الشيوخ، ومجلس اللوردات، ومجلس الأعيان، ومجلس تشخيص مصلحة النظام، وغيرها من المجالس التي يرجع إليها فيمن يحكم البلاد والعباد، وعند موارد الاختلاف، وفي المنعطفات الهامّة للنظام السياسي، وإلا لسطا ما ليس له حق، على حقوق من له حق، كما تسطو الضباع على فرائس وطرائد غيرها!  

          مجلس شورى مساعد: لِعظَم المهام وسعة الأعمال الموكلة إلى مجلس أمناء الثورة، لا حرج من أن يُشكّل لنفسه مجلس شورى يحوي على جميع الكفاءات العلمية، يرجع إليه فيما يُشكل عليه من النوازل والمسائل، وما تعترضه من مشاكل، ويكون هذا المجلسُ نواة لمجلس شورى أعم وأكبر، يمارس دوره وعمله جنباً إلى جنب مع مجلس أمناء الثورة، والقيادة التنفيذية ما بعد انتصار الثورة، وقيام الدولة السورية المستقلة الحرة العزيزة، بإذن الله تعالى ومشيئته.   

          عوائق ستواجه هذا المجلس: من أهمها الدول التي سترى في هذا المجلس منافسة ومزاحمة لنفوذها ووجودها في سوريا، إذ من مصلحة هذه الدول أن تبقى كلمة الثورة ضعيفة متفرقة، ليس لها رأساً، ولا مرجعية تمثيلية ترجع إليها، ليتسنى لها التدخل في الشأن السوري وقتما تشاء وبالطريقة التي تشاء، وللغرض التي تشاء، ومن دون أن يمنعها مانع، أو يُسائلها سائل!

          ومنها، المجالس المحليّة المحسوبة على المعارضة والثورة، والتي منها الإئتلاف، والمجلس الوطني، وغيرهما من المجالس، لما يرون في هذا المجلس منافسة لنفوذها، ومصالحها، ووجودها .. ولهذه المجالس نقول: قد فشلتم فشلاً ذريعاً في قيادة المرحلة، وفي تمثيل الثورة، والدفاع عنها، وعن أهلها .. تحضرون وتستشرف أعناقكم وتمتد عند المغانم، وانتصارات الثوار والمجاهدين، وتغيبون غياب الأموات عند الغرائم والشدائد .. فأنتم من جملة مصائب الثورة ومآسيها .. وبعد مضي ثمان سنوات عجاف من عمر الثورة، ومن دون أن تقدموا للثورة شيئاً يُذكَر، فأنتم بين خيارين: أما أن تنفضّوا، وتستريحوا وتُريحوا، وتعطوا فرصة لغيركم أن يعمل .. وإما أن تكون مجالسكم ــ على عجزها وضعف وقلة عطائها ــ تكميلية، تخضع للمراقبة، والمساءلة من قبل مجلس أمناء أو قيادة الثورة، وعند التعارض والتباين تكون كلمة المجلس هي النافذة وليس كلمتكم.

          ومنها، بعض النفوس الضعيفة من قادة بعض الفصائل، التي سترى في هذا المجلس منافسة ومعارضة لما يتمتعون به من خصائص، ونفوذ، ومصالح آنية .. ولهؤلاء نقول: اتقوا الله .. فمصلحة الثورة .. والشعوب .. والأوطان .. مقدمة على مصالحكم الشخصية، ثم أن مصالحكم الحقيقية لو كنتم تعلمون مرهونة بتحقيق مصلحة الثورة وأهلها أولاً، إذ لا مصلحة لكم، ولا وجود لكم ولشيء من مصالحكم عند غياب الثورة ومصالحها.

          فإن قيل: ما تقدم من عوائق وعقبات ليس بقليل، وتجاوزها ليس سهلاً …؟

          أقول: هذا صحيح، ومع ذلك لا بد من أن تتوفر الإرادة والعزيمة لإنجاز هذا الصعب، وتجاوز هذه العوائق والعقبات، فالثورة الجادة أحياناً ــ ولكي تصل إلى أهدافها بأقل التَّكاليف ــ تحتاج إلى إحداث مراجعات، ووقوف صادق مع النفس، وإحداث ثورة داخلية على الأمراض، والتراكمات الخاطئة، والعوائق، والعقبات، التي تحيل بينها وبين حركتها نحو أهدافها .. وهذه ظاهرة صحية للثورات الجادّة لا مَعيب فيها.

          المحور الثاني: الدستور.

        لا يُقبل ولا يليق بثورة عظيمة كالثّورة السورية المباركة، التي زرعت في كل شبرٍ من أرضها شهيداً، ثم هي بعد كل تلك التضحيات يأتي الأجنبي الغريب، بل والأجنبي العدو، أو الخائن العميل للعدو، ليصنع لها دستورها، الذي ينظم الحياة السياسية لسوريا الأمل والمستقبل، الدستور الذي يحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وحقوق وواجبات كل طرف منهما تجاه الآخر، وتجاه الوطن والإنسان .. وبصورة تخدم الأعداء أكثر مما تخدم أبناء الوطن الواحد.

          لذا فإن اليد التي تخط الدستور الذي يمثل سوريا ما بعد الثورة، هي اليد الشريفة الطاهرة المجاهدة الثائرة على الظلم، والطغيان، التي خطت النصر بمداد العرق والدم، قبل أن تخطه بمداد الحبر .. وأيما دستور يخص سوريا لا يخطه أبناء الثورة الشّرفاء، المعروفين بإخلاصهم، وعطائهم، وصدق ولائهم وانتمائهم للثورة وأهدافها .. فهو مرفوض، لا يُساوي المداد الذي يُكتب به.

          ومن وظائف ” مجلس أمناء الثورة “، الذي تقدّم الحديث عنه، أن يُشرف إشرافاً تاماً وكاملاً غير منقوص على مرحلة صياغة الدستور، وعلى صياغة الدستور ذاتها .. وينتدب مَن يرتضيهم من ذوي الكوادر والكفاءات من أبناء سوريا الشرفاء الأوفياء والأمناء، لصياغة مواد الدستور .. ويعدّ لهذه المرحلة الهامة والمفصلية عدتها منذ الساعة، وقبل فوات الأوان، ووقوع الندم، ولات حين مندم!

          وأنا لا أخشى على تلك المرحلة من العدو ــ سواء منه الداخلي أو الخارجي ــ كما أخشى طابوراً منّا وفينا، مهزوماً نفسياً، يهون عليه الركوع والانحناء لغير الله، يبدي الانبطاح والتنازلات ــ ويبرر لها ــ قبل أن تُطلَب منه، وعند أدنى ضغط يُمارَس عليه، أو يُلوَّح له من بُعد، تحت هاجس الخوف من ردات فعل المجتمع الدولي والإقليمي .. وأننا ” خلاص ” تعبنا! 

          معركة الدستور لا تقل ضراوة وشراسة عن معارك الثورة في جميع مراحلها، وهي خلاصة وآخر وأهم مرحلة من مراحل الثورة .. والذي يريد أن يُشارك في تلك المعركة الدستورية المرتقبة، ينبغي أن يتحلّى بعزيمة وإرادة عاليتين، وبنفسٍ منتصرة غير مهزومة ولا مهزوزة، وأن يكون سقف مطالبه مرتفعاً عالياً يرقى إلى مستوى الثورة العظيمة المجيدة، وإلى مستوى تضحياتها، وآمالها، وأهدافها .. إلى مستوى مليون شهيد … أو يَدَع! 

          وحتى نضمَن سلامة مكتسبات الثورة السورية العظيمة، وحراكاً سياسياً سلساً لمستقبل سوريا، يشارك فيه الجميع، واستقراراً دائماً للبلاد، وإنصافاً لشهداء الثورة، وللسواد الأعظم من سكان سوريا، ولعطائهم، وتضحياتهم، وتطلعاتهم، لا بد من أن يتضمن الدستور الذي سيحكم البلاد ــ بإذن الله ــ مواداً دستورية سياديّة، ونعني بالسيادية؛ أي أنها غير قابلة للنقاش، أو التصويت، أو الإلغاء، أو التّعديل، وهي:

          أولاً: دين الدولة السورية الإسلام.

          ثانياً: رئيس الدولة مسلم سنيٌّ عَدْلٌ، وكذلك نائبه، والمناصب السياديّة: كوزارة الدفاع، والداخلية، والخارجيّة.  

          ثالثاً: الشّريعة الإسلاميّة هي المصدر الوحيد للتّقنين والتشريع.

          أو الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساس للتقنين والتشريع، وأيما قانون يتعارض مع الشرع الإسلامي المنزّل، فهو رد.

          رابعاً: سوريا من جنوبها إلى شمالها، ومن غربها إلى شرقها، جزء واحد لا يقبل التقسيم ولا التجزئة، ولا الفَدْرَلَة.

          خامساً: اللغة العربية، هي اللغة الرسميَّة للدولة.

          والفائدة المرجوّة من هذه المطالب أو المواد الخمسة ــ كما هو ملاحظ ــ لا ترتد فقط على فئة معينة من المجتمع السوري وحسب، مهما عظمت وكان تعدادها، وإنما على جميع أبناء سوريا على اختلاف طوائفهم وانتماءاتهم، الذين ينشدون العدل والاستقرار والأمن، وبالتالي ينبغي أن تكون هذه المطالب الأساسية هي مطالب الجميع.

          لا بد من الانتصار ــ بإذن الله ــ في معركة الدستور، لأن جميع ما يأتي بعدها من مراحل وخطوات، ومعارك سياسية، مرتبطة ارتباطا وثيقاً بالدستور وما ينص عليه .. إن كانت خيراً فخير، وإن كانت شراً فشر!

          الانتصار في معركة الدستور؛ يعني الانتصار فيما بعدها من المعارك .. والفشل في معركة الدستور، يعني حتماً الفشل فيما بعدها وسواها من المعارك!

          مِن قبل غامرنا وقامرنا بسوريا أرضاً وشعباً، تحت عنوان الوطنية الزائدة، وكلنا حبايب وأبناء وطن واحد .. فضاعت سوريا لعقود عديدة بأيدي الطائفيين الخونة، والعملاء المجرمين، ولا تزال .. فباعوا الوطن والمواطن للعدو بثمن بخس، وجعلوا الوطن مرتعاً لكل عدو طامع .. فأذلّوا الوطن والمواطن .. وتعاملوا مع الوطن والمواطن كبقرة حلوب لأنفسهم وعوائلهم، وشهواتهم .. إلى أن خرجت على هؤلاء الطغاة المجرمين الطائفيين ثورة مباركة كلفت من أبناء سوريا أكثر من مليون شهيد، ولا تزال التضحيات مستمرة إلى الساعة بغية التحرر من هؤلاء الطغاة الطائفيين المجرمين، ومن حكمهم، وما النصر ببعيد بإذن الله .. وسوريا ما بعد الثورة ــ بإذن الله تعالى وعونه ــ لم تعد تقبل المغامرة ولا المقامرة، ولا الرجوع إلى الوراء، مهما عظمت التكاليف، وتحت أي ذريعة أو شعار كان، ومهما كان برّاقاً!

          المحور الثالث: الأحزاب، والانتخابات.

          الجميع متواطئ على فكرة حرية الأحزاب، وعلى الانتخابات كوسيلة لفرز وترشيح القيادات، وهي فكرة ذات حدود، بعضها يحتمل الخير، وكثير منها يحتمل الشر، لو تُركت من غير تقييد ولا تقنين، ولا ترشيد، لأصبحت شراً محضاً، ولأفرزت شراً، ولأدت إلى استبدال طاغية بطاغية، وظالم بظالم، وفسادٍ بفساد، فنعود إلى نقطة الصفر والابتداء، وكأن الثورة لم تكن يوماً!  

          العدو الخارجي يريد لنا أن نمارس الانتخابات وحرية الأحزاب من غير قيد، ولا ضبط، ولا رصد .. يريدها لنا فوضى عارمة .. وشعوبية حاقدة .. وإباحية مطلقة .. وفرقة لا تعرف الوحدة بعدها .. ليجد لنفسه من خلال تزاحم الأحزاب وتعدادها، وتفرّقها وتناحرها الثغرات العديدة التي من خلالها يتسلل بسهولة إلى الأوطان، ليتدخل بمصالح وموارد البلاد والعباد، وبقرارها السياسي، وبهوية من يحكم البلاد والعباد، وليفسد على الشعوب الحرة صدق اختياراتها .. فإذا جاءت النتائج وفق ما يريد ويتمنى، وما قد أعد له، فهذا هو المراد، وهذه هي الديمقراطية المقدسة حينئذٍ، وإن جاءت النتائج بخلاف ما يريد، وأفرزت الانتخابات الرجال المخلصين والصادقين في ولائهم وانتمائهم لأوطانهم وقضايا ومصالح شعوبهم .. ما أهون عليه حينئذٍ ــ أي العدو ــ أن يتواطؤوا عليهم، وعلى الانقلاب عليهم، وأن ينسلخوا من جلودهم وديمقراطيتهم وإنسانيتهم .. ولو كان البديل عنهم الديكتاتورية في أشد وأقبح صورها، كما حصل في كثير من الأمصار والبلدان!

          العدو الخارجي يريد من أي عملية سياسية في أي مصر من أمصار المسلمين، ثلاثة أشياء، ولا يبالي بعدها لشيء!

          أولها وأهمها: إقصاء الإسلام عن مواطن النفوذ والتأثير للدولة، بمعنى آخر فصل الإسلام عن الدولة والحكم والسياسة، مهما أدى ذلك إلى اضطهاد وظلم وقمع الشعوب المسلمة الحرة .. فكمرات المراقبة لحقوق الإنسان حينئذٍ تتوقّف وتتعطّل!

          ثانيها: حماية دولة إسرائيل، وأمن ومصالح إسرائيل في المنطقة، ودول الجوار.

          ثالثها: تأمين مصالح ونفوذ العدو المستعمر، الاقتصادية، والعسكريّة في المنطقة.

          فمن أعطاهم أو يعطيهم هذه الأشياء الثلاثة، لا يبالون له بعدها لو جاء إلى سدة الحكم عن طريق الدبابات وقمع الشعوب الحرة، أو عن طريق صناديق الاقتراع .. والطغاة المستبدون قد عرفوا هذه المعادلة، لذلك نراهم يتنافسون ويتسابقون فيما بينهم على تحقيق مطالب ورغبات العدو المتمثلة في النقاط الثلاثة الآنفة الذكر أعلاه!

          أي أن العدو يريد منا أن نمارس التعددية الحزبية، وننهج طريق الانتخابات لغرض الشر، وللشر فقط .. فما هو العاصم والمنجى من هذا الشر؟

          الموقف من الأحزاب: حتى لا تُفضي الأحزاب إلى الشر المشار إليه أعلاه، وتكون مطيّة لكل شرٍّ وافدٍ من الخارج، وتتحول من أداة تخدم الوطن والإنسان، إلى أداة هدامة تدمر الوطن والإنسان .. أرى أن يقيد العمل الحزبي بجملة من الإجراءا ت والقوانين:

          1- أن لا تكون برامج ومناهج هذه الأحزاب، تتعارض مع مبادئ الدستور، والتي منها المبادئ الخمسة الأساسية المنصوص عليها أعلاه.

          2- أن لا يكون للحزب أي علاقة أو صِلات مع جهات دولية خارجية معادية، يتلقى منها الدعم، والتوجيهات.

          3- أن لا يكون للحزب مواقف معادية للثورة، وأهدافها، وأن لا يكون نسخةً عن حزب النظام الأسدي المجرم، باسم وثوب جديدين .. يُعرف ذلك من السيرة الذاتية لمؤسسي ورجالات الحزب، ومن طبيعة مناهجه وسياساته.

          4- أن يحصل الحزب على الموافقة من مجلس أمناء الثورة المشار إليه أعلاه، بعد أن تُعرض عليه أسماء مؤسسي الحزب، وبرامجه، وأهدافه.  

          5- أيما مخالفة لما تقدم ذكره أعلاه، تُسحَب من الحزب الرخصة التي تسمح له بالعمل الحزبي، وبأي مشاركة سياسية.

          6- تفادياً لحركة تزاحم الأحزاب، والضرر الناجم عن كثرتها، ولضعف عطاء الأحزاب الصغيرة المتفرقة، وحتى يُمارَس العمل السياسي بسلاسة ويسر، يُنصَح أن تُختزَل الأحزاب في حزبين أو ثلاثة، أو أربعة .. لا أكثر .. تجتمع الأحزاب المتجانسة والمتقاربة في رؤاها، وبرامجها في حزب واحد .. كما هو الحال في كثير من الدول الكبيرة والمعاصرة، المتقدمة في نظامها الحزبي والإداري.   

          فإن قيل: ما ذكرته يستحيل أو يصعب تحقيقه ..؟!

          أقول: هذا لا بد منه، إذا كنا مخلصين حقاً لأوطاننا ولشعوبنا، وثورتنا، وإذا أردنا أن نجنّب البلاد والعباد شرور التمزّق، والتفرق، والفوضى، والاضطرابات السياسية التي قد لا تعرف الهدوء، والأمن، والاستقرار ..!

          ونقول كذلك: كثير من الدول والأنظمة المعاصرة التي تتشبّع بالتعددية الحزبية، وأن نظامها يقوم على حرية الأحزاب، والتعددية الحزبية، تنص قوانينها صراحة على حظر تشكيل أي حزب على أساس ديني، ويعنون بذلك الدين الإسلامي، أو أن تكون مرجعيّة الحزب الفكرية والسياسية هي الإسلام .. وهم بذلك يُصادرون إرادة وحرية مئات الملايين من المسلمين، الذين يرون في الإسلام حلاً لمشاكلهم السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، ويُجَرّمون ويسجنون كل من يتجرأ منهم على العمل الحزبي السياسي، أو ممارسة أي نشاط سياسي .. ومع ذلك الجميع، بما في ذلك المجتمع الدولي الحر يتفهم مثل هذا الحظر ويؤيده .. فعلام ما يجوز لهم، وهم على باطل .. محرّم علينا، ونحن على حق؟!  

          الانتخابات: رغم أن الانتخابات لها مستند شرعي، كما في قصة اختيار الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وغيرها من القصص والشواهد، وتبدو هي الوسيلة الأمثل والممكنة في زماننا، في فرز واختيار من يحكم البلاد والعباد .. إلا أنها لو تُركت على عواهنها كما تمارس اليوم في كثير من الأمصار، وكما يريدها لنا العدو .. من غير ضبط، ولا تقنين، ولا ترشيد، لربما أفرزت قادة أشرارا، ولأتت بنتائج عكسيّة وسلبية لا محالة، ولاستبدلت طاغية بطاغية، وظالم بظالم، وفساد بفساد، ولعدنا إلى حيث كنا، والعود غير أحمدِ!

          لنوصّف أولاً الواقع السوري الحالي، لنرى بعدها ما هو المناسب من الانتخابات، وكيف ينبغي أن نتعامل مع هذا الملف الحسَّاس.

          1- الفقر المدقع، وسوء الأحوال المعيشية التي يعيشها معظم الشعب السوري، بسبب سياسات القمع، والتهجير، والتفجير، والتدمير للبنية التحتية، واتباع سياسة الأرض المحروقة، التي انتهجها النظام الأسدي المجرم، وحلفاؤه .. وهذا يعني أنه من السهل جداً على الدول ذات الأطماع في سوريا ــ وبخاصة منها الدول الكبرى ــ أن تتدخل في اختيار من يمثل الشعب، ومن يفوز في الانتخابات ممن لا يفوز، من خلال استغلال نفوذها، وسلطة الإعلام التي تملكها، والإغراءات المالية، وشراء الأصوات، وضخ الأموال في سبيل المرشح الذي يريدونه، ويخدم سياساتهم وأطماعهم في سوريا.

          فإذا كانت الدول لا تُعدَم وسيلة في التأثير على اختيار مرشح دون مرشح في دول عظمى، تقود الديمقراطية في العالَم كما يزعمون، كأمريكا، وكما في قصة مساعدة روسيا لترمب في فوزه بالرئاسة ضد منافسيه، والتي لا تزال وسائل الإعلام تتناول الحديث عنها إلى الساعة هذه .. فمن باب أولى ــ ومن اليسير عليهم جداً ــ أن يتدخلوا في اختيارات الشعب، ويؤثروا عليها وفق ما يريدون في ظروف وأوضاع كالتي تشهدها سوريا اليوم!

          2- لاعتبارات وأسباب عدة ــ لا مجال لذكرها هنا ــ فقد تأطّر معظم الشعب السوري في ولاءات، وانتماءات، وانقسامات حزبية، وفصائلية، وقبلية، وطائفية .. تحيل بينه وبين اختيار الأفضل والأمثل لحكم البلاد والعباد، وتحتّم عليه دائماً أن يختار ابن حزبه، وفصيله، وعشيرته، وطائفته، مهما كان اختياره سيئاً وضاراً .. وعلى مبدأ ” ما أنا إلا من غزيّة إن غوت غويتُ “!

          3- رغم أن أهل السنَّة يمثلون السواد الأعظم، والأكثرية العظمى للمجتمع السوري .. إلا أن كل واحد منهم ــ وللأسف! ــ رأساً وزعيماً، يأنف أن يتنازل لأخيه .. فعن كل محافظة من المحافظات السورية، يمكن أن يترشّح على المنصب الواحد، أو المقعد الواحد، أكثر من مائة زعيم سنّي؛ فتتكسر وتتقسم وتتوزع أصوات الأكثرية السنيّة عليهم، فيتحولون بذلك إلى أقليّة بعد أن كانوا أكثرية، كما أن المرشحين بالنيابة عنهم مهما حصل الواحد منهم على أصوات فسوف تكون قليلة وضعيفة .. بينما الآخرون، على قلتهم، ورغم أنهم يمثلون الأقلية في المجتمع السوري، قد تقتضي منهم تجمعاتهم الطائفية على أن تجتمع أصواتهم على شخص واحد منهم، فيحصل بذلك على أكثرية الأصوات، قياساً لمنافسيه المتفرقين في الاتجاه الآخر، والطامة الكبرى تكون لو اجتمعوا على ترشيح طاغية كبشار الأسد، أو مَن يماثله في الطغيان والظلم، والفساد ..؟!

          4- أيما انتخابات قبل رحيل الطاغوت بشار الأسد، وجميع رموز نظامه، تعني بالضرورة الفشل، ويعني الكذب والتزوير والخداع يقيناً، ويعني الإكراه وتفاقم الأوضاع سوءاً، وإعادة تأهيل وشَرعَنت النظام الأسدي الطائفي المجرم من جديد .. وهذا لا يمكن، ولا يجوز، ولا يقبل به حرّ شريف.   

          فإن قيل: كيف نتفادى ما ذكرتم من شر، والانتخابات هي الوسيلة المتاحة والممكنة، لا نملك في الظروف الحالية التي تعيشها سوريا وسيلة أخرى ممكنة التطبيق، نعتمدها في اختيار وفرز القادة الذين يحكمون البلاد والعباد ..؟

          أقول: إن لم نستطع أن نلغي ونتفادى الشرّ كله، فليكن عملنا على التّقليل منه ومن آثاره ما أمكن، واستطعنا لذلك سبيلاً .. وبيان ذلك في النّقاط التالية:

          1- كل من كان له سابقة إجرام من بقايا ومخلّفات النظام الأسدي الطائفي المجرم بحقّ الشام، وأهله، وثورته .. يمنع بقانون ــ يُسمّى قانون الانتخابات ــ من المشاركة في الانتخابات؛ مُرَشَّحاً، ومُرشِّحاً.

          2- كل من كان له سوابق إجرامية جنائية ثابتة عليه بدليل، بحق الشعب السوري، يُمنَع بقانون ــ يُسمّى قانون الانتخابات ــ من أن يُرشّح نفسه لأي منصب قيادي، سواء كان هذا المنصب متعلقاً بالسلطة التنفيذية، أم بالسلطة النيابية التشريعية. 

          3- لا يُقبَل من أي مرشّح لأي منصب تنفيذي أو تشريعي، أن يكون من رُؤاه وبرامجه، وأهدافه ما يتعارض مع الدستور، وأهمها المواد الأساسية السيادية الآنفة الذكر .. ويُنص على ذلك بقانون.

          4- أيما مُرَشَّح لأي منصبٍ تنفيذي، أو تشريعي، يتلقّى دعماً مالياً أو سياسياً من قوى خارجية استعمارية معادية، في حملته الانتخابية، يُمنع من حقه في الترشّح لأي منصب سيادي تنفيذي، أو تشريعي .. وينص على ذلك بقانون.

          5- أيما مُرَشَّح لأي منصبٍ تنفيذي، أو تشريعي، يتبع في حملته الانتخابية وسائل غير أخلاقية، كرشوة الناس، وشراء أصواتهم بالمال، مقابل أن يصوتوا له .. أو أن يستغل نفوذه في إرهاب وتخويف الناس، ليحملهم مكرهين على التصويت له .. يُمنع من حقه في الترشّح لأي منصبٍ سيادي تنفيذي، أو تشريعي .. ويُنص على ذلك بقانون.

          6- أيما مُرَشَّح لأي منصبٍ تنفيذي، أو تشريعي، يُعرَض اسمه على مجلس أمناء الثورة، مرفقاً بسيرته الذاتية، لينظروا في أحواله وسيرته، ومواقفه من الثورة، وعلى ضوء ذلك إمّا أن يُجيزوه، أو يمنعوه، ولهم الحق في ذلك .. أي لا بد أولاً من أن يحصل من مجلس أمناء الثورة على بطاقة براءة ذمة، تثبت براءته من أي تهمة أو خيانة أو عمل إجرامي، وهذا ليس غريباً ولا جديداً، وهو أسلوب متبع في كثير من الدول المتقدمة إدارياً وتنظيمياً، والتي تنشد الأمن والسلامة لمجتمعاتها ومؤسساتها الحكومية، كما في بريطانيا على سبيل المثال: الذي يريد أن يتقدم لأي عمل حساس له علاقة بالتربية والتعليم، يجب عليه أولاً أن يحصل على شهادة براءة ذمة من الشَّرِطة ( البوليس ).  

          المحور الرابع: المجلس النّيابي التّشريعي.

          عندما ينضبط الحراك السياسي، والعمل النيابي، بما ورد في محور الدستور أعلاه .. والمحاور الأخرى .. ينتفي الحرج، وتنتفي المحاذير الشرعية عن المشاركة في العمل النيابي التشريعي، ترشُّحاً، وترشِيحاً، كما تنتفي عن المرَشَّح صفة التألّه، وادعاء الربوبية، أو أن يكون مشرعاً مع الله تعالى، أو من دونه؛ له الحق في أن يحلل ما حرم الله، ويحرم ما أحل الله سبحانه وتعالى .. ويقتصر العمل النيابي حينئذٍ على الاجتهاد والتشريع في النوازل والأمور التي تقبل الاجتهاد، وفيما لا يخالف نصاً منزلاً .. وكذلك تشريع وسن القوانين في الأمور الإدارية التنظيمية، والتنفيذية، وفيما له علاقة بالمصالح المرسلة، كشق الطرقات، وبناء المصانع والجامعات، وعقد الاتفاقيات والمعاهدات مع الدول والعالم الخارجي، وغيرها من الأمور الإجرائية العملية التي تحتاج إلى قوانين تلتزمها السلطة التنفيذية، وهذا لا حرج فيه إن شاء الله .. بل هو من جملة المصالح والمقاصد التي نص الإسلام على رعايتها والقيام بها .. كذلك لو حصل اتفاق على تقنين الشريعة أو الأحكام الشرعية في قوانين تسهّل على القضاة الرجوع إليها، والتعامل معها .. فهذا غالباً يكون من عمل ووظيفة المجلس النيابي.

          يُضاف إلى ما تقدّم، فإن من أعمال المجلس النيابي التشريعي، مراقبة أداء السلطة التنفيذية ممثلة بالحكومة ورئيسها، ومحاسبتها على التَّقصير، لو بدر منها التقصير .. أو خالفت شيئاً من القوانين .. وهذا عمل جيد ومشروع، يدخل في معنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا حرج فيه إن شاء الله.

          ليعلم الجميع أن سوريا ما بعد الثورة لم تعد تقبل الخضوع ولا الركوع للأصنام، ولا لمن يمارسون عليها الألوهية والربوبية من دون الله، على طريقة الطاغية الأول فرعون، الذي قال لقومه:[ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ]غافر:29. [ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ]القصص:38. [ فَحَشَرَ فَنَادَى . فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ]النازعات:23-24. سواء جاءت هذه الألوهية والربوبية عن طريق الاستبداد والتسلط بالجبروت، أو عن طريق الديمقراطيات .. والثورة عندما نشدت الحرية والتحرر، ورفعت شعار الحرية؛ أرادت بذلك الانعتاق، والتحرر من مطلق العبودية للعبيد .. وهذا مما أغاظ الأعداء أكثر، وحمل الكلابَ كلها على أن تتكالب وتجتمع على الشعب السوري، وعلى ثورته المجيدة .. والله المستعان.

          تحذير هام: أعلم أن ما تقدم أعلاه من مطالب ــ وبخاصة فيما يتعلق بمحور الدستور ــ يحتاج إلى تجلّد، وصبر، وثبات، وهمم عالية، لا يقوى على فعل ذلك أصحاب النفوس والمعنويات الضعيفة المهزومة والمنهارة، التي ترضى بالدون، وبأقل القليل .. لسان حالهم يقول: خلاص .. تعبنا .. نريد أن نستريح .. هؤلاء لا يحق لهم أن يمثلوا ثورة عظيمة كالثورة السورية، ولا شعباً عظيماً قدم مليون شهيد، ولا يزال يقدم، من أجل أن تتحقق مطالبه العادلة والمحقة .. وإني لأحذر أشد التحذير من أن يستجرنا العدو إلى بعض الفُتات والمكاسب، مقابل أن نتخلى عن المطالب الأساسية للثورة السورية، وعن النظام السياسي الذي يحقق هذه المطالب، ويحميها، فنقول على طريقة المفاوضين المهزومين: قليل خير من لا شيء .. درهم في الجيب، خير من ألف درهم في الغيب .. بريق المؤتمرات في الفنادق الفاهرة، وشهوة حب الظهور، والتَّمشدق ببعض المصطلحات السياسية مع القوم، خير من الاعتزال .. فنخسر حينئذٍ كل شيء؛ القليل قبل الكثير .. ونفقد مبررات الثورة .. ويقع التفريط بالثوابت والحقوق .. وبالثورة كلها .. ويُرفَع عنا نصرُ الله .. ويقع الندم على ما فرطنا من عند أنفسنا، حيث لا ينفع الندم، فنقول كما قال مَن قبلنا:[ قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ ]آل عمران:165.

 

عبد المنعم مصطفى حليمة

” أبو بصير الطرطوسي “

9/12/2018

www.abubaseer.bizland.com

 

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.