موقع ملتزم بالتحاكم إلى الكتاب والسنة على ضوء فهم السلف الصالح بعيداً عن التعصب

إرشادات أولية هامة لحديثي العهد بالإسلام

0 936

إرشَادَاتٌ أوَّليَّةٌ هَامَّةٌ لحَدِيثِي العَهْدِ بالإسْلام

بسم الله الرحمن الرحيم

Word                    Pdf

            الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.

          من نِعَم الله تعالى على عباده، أن الناس ــ ومن أمصار، وجنسيات، وأعراق شتى ــ يدخلون في دين الله الإسلام أفواجَاً؛ زَرافات ووحْدَاناً .. فلا يوجد دين في الأرض ينتقل إليه الناس، ويدخلون فيه طواعية كدين الله الإسلام .. وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم:” لَيَبْلُغَنَّ هذا الأمرُ ما بلَغَ اللَّيلُ والنَّهارُ، ولا يَترُكُ اللهُ بَيتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلَّا أَدخَلَه اللهُ هذا الدِّينَ “. وبيت المَدَر؛ بيت الحضَر، في المدن والقرى، وبيت الوَبَر، البيوت والخيام التي تُبنَى في البادية والصحراء. وقال تعالى:[ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ]التوبة:33.

          ومن الملاحظ أن من يدخلون الإسلام، ويكونون حديثي عهد بالإسلام، تتشكل لديهم بعض التساؤلات، والاستفسارات، وتواجههم بعض المشاكل .. سنجتهد ــ بإذن الله ــ أن نجيب عنها بإيجاز في هذه المقالة، من خلال النقاط التالية:

          1- اعلمْ أن المكتبة الإسلامية ضخمة، والأقوال كثيرة، والمذاهب متعددة ومتشعبة، والذي يلزمك منها، وتقوم به الحجة عليك، وتُسأل عنه يوم القيامة: قال الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .. القرآن الكريم؛ كتاب الله، والسنة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم .. والعلماء مهمتهم ودورهم ــ عندما تسألهم وتراجعهم ــ أن يصلوك بكتاب الله تعالى، وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبالأحكام المستنبطة والمستخرجة من كتاب الله تعالى، ومن سنة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. 

          2- في أول عهدك بالإسلام، قد يصعب عليك أن تتعامل مباشرة ــ في الأحكام التفصيلية ــ مع كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .. فيتعين عليك أن تسأل وتراجع أهل العلم، كما قال تعالى:[ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ]النحل:43. ويلزمك في هذه الحالة أن تسأل عن أعلم وأتقى من هم في مدينتك، أو قريتك، أو من تستطيع أن تتواصل معه عن طريق الانترنت .. فتتوجه إليه بأسئلتك، وما يشكل عليك فهمه، وعندما يجيبك، لك أن تسأله ــ لتتحقق لك صفة المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم ــ هل هذه هي السّنة .. أو هذا الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة؟ فإن قال لك نعم .. تتبناه .. وإن قال لك: هو رأي واجتهاد، تتوجه بسؤالك إلى غيره.

          فإن قلت: لماذا عليَّ ابتداءً أن أتوجه إلى أعلم وأتقى من حولي؛ ممن أستطيع الوصول إليهم …؟

          أقول: لسببين: أولهما؛ الواجب بحقك أن تبذل جهدك المستطاع في معرفة الحق، كما قال تعالى:[ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ]التغابن:16. وقال تعالى:[ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ]البقرة:286. ثانيهما؛ لكي تتفادى الوقوع في شباك أهل الجهل، والبدع، والأهواء؛ الذين لا يتورعون أن يقولوا على الله تعالى، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بغير علم .. وأنت لا تدري! 

          3- قد تتفاجأ من بعض السلوكيات والأخلاقيات الخاطئة لبعض المسلمين .. فلا يصدنك ذلك عن متابعة الحق .. ويكون ذلك سبباً في ردتك .. فالمسلمون منهم الصالح ومنهم الطالح .. ومنهم التقي، ومنهم العاصي، والمقصر .. يخطئون ويُصيبون .. وهم بسلوكهم ــ المخالف لكتاب الله تعالى ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ــ لا يمثلون الإسلام، وليسوا حجة على الإسلام .. فالحق لا يُعرف بالرجال، وإنما الرجال يعرفون بالحق .. والذي يمثل الإسلام، ويمثل الحق المطلق، وهو حجة عليك وعلى الخلق أجمعين، هو شخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى:[ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ]الأحزاب:21. وقال تعالى:[ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ]آل عمران:31. وقال تعالى:[ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ]النساء:65. وقد ورد في القرآن الكريم أكثر من ثلاثين آية تحض على وجوب طاعة ومتابعة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. وفي الحديث، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:” والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لا يَسْمَعُ بي أحَدٌ مِن هذِه الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، ولا نَصْرانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ ولَمْ يُؤْمِنْ بالَّذِي أُرْسِلْتُ به، إلَّا كانَ مِن أصْحابِ النَّارِ “ مسلم.    

          4- يأتي بعد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من حيث تمثيل الإسلام، وجودة فهم الإسلام، وامتثاله في واقعهم، وحياتهم، أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، الذين عاصروا وصاحبوا النبي صلى الله عليه وسلم، وعاصروا التنزيل؛ فهم الذين نقلوا الدين إلى من بعدهم، إلى أن وصل إلينا سالماً كما أُنزل .. وهم قياساً إلى من جاء بعدهم فهم الأعلم، والأتقى، والأسلم، والأحكم .. وقد أثنى الله عليهم خيراً كثيراً في كتابه العزيز في نصوص عديدة، وكذلك النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد أثنى عليهم خيراً، وأوصى بهم خيراً، وبخاصة المهاجرين والأنصار، والخلفاء الراشدين الأربعة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم أجمعين.

          5- أول ما يتوجب عليك فعله بعد النطق بشهادة التوحيد، أداء الصلاة .. وهذا يستلزم منك أن تتعلم مستلزمات ومقتضيات الصلاة؛ فتتعلم طهارة البدن والثوب، والوضوء، ومن ثم الصلاة؛ أركانها وواجباتها. 

          6- اعلم أن جميع التكاليف الشرعية يشترط لها القدرة والاستطاعة، فإذا وجد العجز رفع التكليف إلى حين توفر القدرة والاستطاعة .. وبالتالي لا تتهيّب من حجم التعاليم والتكاليف الشرعية الشاملة لجميع جوانب الحياة .. فلا يلزمك منها إلا ما استطعت .. فتأتي منها ما استطعت .. وتبذل جهدك المستطاع على دفع العجز فيما لم تستطع القيام به .. وليس عليك بعد ذلك من حرج، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر، قال:” كُنَّا إذا بايَعْنا رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى السَّمْعِ والطَّاعَةِ، يقولُ لَنا: فِيما اسْتَطَعْتُمْ “. وقال صلى الله عليه وسلم:” إذا أمرتكم بشيءٍ فأتوا منه اسْتَطعْتُم ” متفق عليه.

            فأنت مثلاً ــ وبخاصة إن كنت أعجمياً ــ في أيامك الأولى من دخولك الإسلام، قد لا تستطيع أن تحفظ سورة الفاتحة والتي هي من أركان الصلاة .. فيجزئك أن تقول بدلاً عنها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر .. إلى حين أن تتعلم الفاتحة، وتستطيع حفظها .. كما في الحديث الحسن الذي أخرجه أبو داود وغيره، أن رجلاً جاء إلى النبي صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: إنِّي لا أستَطيعُ أن آخذَ منَ القرآنِ شيئاً ــ أي لا أستطيع أن أحفظ منه شيئاً بما في ذلك سورة الفاتحة، وهو عربي الأصل والمنبت! ــ فعلِّمني ما يُجزئُني منهُ، قالَ: قُل سُبحانَ اللَّهِ، والحمدُ للَّهِ، ولا إلَهَ إلَّا اللهُ، واللَّهُ أَكْبرُ، ولا حَولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللَّهِ العليِّ العظيمِ، قالَ: يا رسولَ اللَّهِ، هذا للَّهِ عزَّ وجلَّ، فَما لي؟ قالَ: قُل اللَّهمَّ ارحَمني وارزُقني وعافِني واهدِني، فلمَّا قامَ قالَ: هَكَذا بيدِهِ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: أمَّا هذا فقد ملأَ يدَهُ منَ الخيرِ “. فإن كنت لا تستطيع أن تقولها بالعربية، فتقولها بلغتك لا حرج.

          7- إن كنت أعجمياً، مما يتوجب عليك أن تصرف له جهدك واهتمامك ــ قدر استطاعتك ــ تعلم اللغة العربية؛ لتكون على صلة مباشرة مع الوحي ” القرآن الكريم، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ” .. ومن دون اللغة العربية ستبقى حواجز لا يُستهان بها بينك وبين فهم الخطاب الشرعي فهماً كاملاً صحيحاً: قال الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وهذا لا ينبغي ولا يليق .. وما يُقال عن جودة الترجمات وأهميتها .. جيد .. لكنها لا تغني عن لغة القرآن الكريم، ولغة السنّة النبوية، ولغة الصحابة رضي الله عنهم، لغة العِلم والفقه. 

            8- مما ننصح به ملازمة الصالحين، واعتزال قرناء السوء؛ فهذا مما يُعين حديث العهد بالإسلام على مزيد من الالتزام، والتقوى، والعمل الصالح .. قال تعالى:[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ]التوبة:119. وقال تعالى:[ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ]الزخرف:67. وفي الحديث، فقد صح عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:” الرجلُ على دِينِ خَليلِه؛ فلْيَنْظُرْ أحدُكم مَن يُخالِلُ “.

          9- جميع ما تقدم ذكره يشمل الذكور والإناث سواء .. وأيما خطاب شرعي فهو يشملهما معاً، ما لم يرد نص يفيد ويخصص أن هذا الخطاب يراد به الرجال دون النساء، أو النساء دون الرجال.

 

عبد المنعم مصطفى حليمة

” أبو بصير الطرطوسي “

4/5/1443 هـ. 8/12/2021 م.

www.altartosi.net

www.abubaseer.bizland.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.