موقع ملتزم بالتحاكم إلى الكتاب والسنة على ضوء فهم السلف الصالح بعيداً عن التعصب

حكم العمليات المسماة (الاستشهادية)

0 312

س708: في إجابتكم السابقة، قلتم : ” قد بينت في أكثر من موضع أنني لا أجيز العمليات الفدائية( الانتحارية )؛ فهي عندي أقرب إلى الانتحار وقتل النفس الذي حرمه الله .. وهذا لا يعني أنني أؤثم المخالف أو الذي يقوم بالفعل إذا كان معتمداً على أدلة المجيزين من أهل العلم وملتزماً بشروطهم؛ إذ أن المسألة من النوازل المستحدثة الاجتهاد فيها وارد، والخلاف فيها وارد، والمسألة تدور عندي بين راجح ومرجوح، وليس بين حق وباطل ..”. 
هل يفهم من هذا الكلام أنكم ضد العمليات الاستشهادية بصفة عامة .. وليست المختصة بهاتين العمليتين فقط .. رجاء التوضيح، وفي أي من أبحاثكم ذكرتم رأيكم في العمليات الاستشهادية ؟
ثم إذا كنتم ضد العمليات الاستشهادية وترى فضيلتك أن فاعليها منتحرون .. فكيف تكون المسألة بين راجح ومرجوح وليس بين الحق والباطل .. رجاء التوضيح لأن العمليات الاستشهادية الآن قطب من أقطاب الجهاد وأساس من أسسه؟ 

الجواب: الحمد لله رب العالمين. التعبير بكلمة أني ” ضد العمليات الفدائية ” تعبير غير دقيق ولا يعبر عن موقفي بشكل دقيق وصحيح، لا ينبغي أن تقوّلني إياه؛ فكوني لا أجيز هذه العمليات لا يعني ذلك أني ضد الذين يجيزون الفعل من أهل العلم، أو ضد الذين يفعلون الفعل أو أني أؤثمهم وأجرمهم .. وأعتبرهم في عداد المنتحرين الذين يستحقون الوعيد .. لا ..  بل أعتقد أن لهم أجراً ـ وأن الفاعل ـ إن التزم بشروط المجيزين من أهل العلم ـ  يُجزى على نيته واعتقاده خيراً، وقد يكون شهيداً عند الله ـ مع اعتقادي بأنهم مخطئون في اجتهادهم وفهمهم للنصوص؛ وذلك لأن خطأهم ناتج عن اجتهاد معتبر ومستساغ تدعمه بعض النصوص الشرعية هي عندي مرجوحة ـ لا راجحة ـ في دلالتها على جواز الفعل. 
كثير من المسائل الشرعية التي حصل ويحصل فيها خلاف بين أهل العلم .. وإن كان الحق فيها واحداً .. إلا أن المصيب والمخطئ كلاهما لهما أجر: فالمجتهد المصيب له أجران .. والمجتهد المخطئ له أجر .. وأجره لا يمنعنا من أن نشير إلى خطئه فيما اجتهد فيه!
أضيف كذلك فأقول: هذا المجتهد المخطئ والذي يتبعه معتقداً صوابه فيما اجتهد فيه كلاهما لهما أجر إن صدقت النية .. بينما من يعتقد خطأ المجتهد ثم يتبعه فيما أخطأ فيه .. فله وزر وهو آثم؛ لأن الحكم في مثل هذه المواضع مرده إلى النية والاعتقاد، والله تعالى أعلم.
ولكي تتضح المسألة لك ولغيرك أضرب المثال التالي: فمن اعتقد أن وقت الإمساك عن الطعام في رمضان يمتد إلى ما بعد أذان الفجر بحسب التوقيت الفلكي بعشرين دقيقة مثلاً .. فهو لو تناول الطعام والشراب في هذا الوقت لا حرج عليه لاعتقاده أن الفجر الصادق الذي يُلزم بالإمساك عن الطعام والشراب .. لا يظهر إلا بعد عشرين دقيقة من الأذان الذي يُرفع حسب التوقيت الفلكي. بينما من يعتقد أن رفع أذان الفجر حسب التوقيت الفلكي هو التوقيت الصحيح للإمساك والمطابق للفجر الصادق الذي يُلزم بالإمساك .. ثم هو ـ مع اعتقاده هذا ـ يتناول الطعام والشراب بعد رفع الأذان، فهو بفعله هذا يطاله وزر وإثم الفاطر العمد .. فالأول لا حرج عليه بل له أجر؛ لأنه أحيا سنة تأخير السحور بحسب اعتقاده، والآخر مجرم عليه وزر المفطر المتعمد لاعتقاده أنه تناول طعامه وشرابه في النهار وبعد ظهور الفجر الصادق .. وهكذا مسألتنا التي أشكل فهمها عليك وعلى غيرك!
فإن قلت: متى يكون الفاعل عندك آثماً يطاله وزر ووعيد المنتحر القاتل لنفسه؟
أقول: في حالتين:
أولهما: أن يكون معتقداً حرمة هذا الفعل، ومقتنعاً بأدلة المحرمين له .. ثم هو مع ذلك يُقدم عليه.
ثانياً: أن لا يلتزم بشروط المجيزين لهذا الفعل من أهل العلم المعاصرين؛ حيث أن الذين أجازوا هذا الفعل أجازوه بشروط يحرم الفعل عندهم بانتفائها أو انتفاء شرط واحد منها.  
أما إن سألت عن الدليل الذي حملني على القول بعدم الجواز ..؟
أعيد باختصار ما كنت قلته في أكثر من موضع، فأقول: أن هذه العمليات الفدائية من النوازل التي تحتاج إلى نوع قياس واجتهاد من أهل العلم .. والخلاف فيها وارد ومستساغ .. لا يجوز أن يُنكر طرف على آخر، أو يتهم طرف طرفاً آخر .. ما سلمت المقاصد والنوايا من وراء هذا الخلاف.
وقد تأملت مجموع أدلة المسألة التي تجيز منها والتي تحرم، فوجدت أدلة التحريم التي تحرم على المرء أن يباشر قتل نفسه بنفسه محكمة في ثبوتها ودلالتها .. وفي المقابل وجدت أدلة المجيزين ـ على كثرتها ـ ظنية متشابهة تحتمل أكثر من رأي وتفسير .. وما كان كذلك لا يمكن أن يُقاوم أو يرد الأدلة المحكمة التي تفيد التحريم .. فالمتشابه لا يُقاوم المحكم .. فالمحكم هو الحكم على المتشابه من النصوص وليس العكس .. لذا قلت ولا أزال أقول ـ مع احترامي للمخالفين وتقديري لاجتهادهم ـ: بعدم الجواز .. هذا قولي ولا ألزم به ـ كما لا أؤثم ـ من لم يقتنع به أو يعتقده، والله تعالى أعلم.
المسألة كما تناولها الناس ـ وللأسف ـ بين طرفي نقيض، إفراط تفريط: فريق قال بالتحريم وجرَّم المخالفين وأثمهم، وفريق قال بالجواز وجرم المخالفين وأثمهم، والحق الذي اعتقده وسطاً بينهما وفق ما تقدم ذكره، والحمد لله رب العالمين.
أما عن المواضع التي أشرنا إليها في معرض جوابنا .. فالتمسها في صفحات مسائل متفرقة المنشورة في موقعنا على الإنترنت إن شئت.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.