موقع ملتزم بالتحاكم إلى الكتاب والسنة على ضوء فهم السلف الصالح بعيداً عن التعصب

اختلافُ التنوِّعِ واختلافُ التَّضَاد

اختلاف التنوع واختلاف التضاد

0 1٬106

اختلافُ التنوِّعِ واختلافُ التَّضَاد

       لا مشاحة ولا تنازع في اختلاف التنوِّع؛ لأن جميع الأنواع والصور حق ومشروعة، قد دل عليها الشرع المنزَّل، وللمرء أن يختار صورة من تلك الصور الدالة على الفعل الواحد أو المسألة الواحدة، كما له أن يمارس الصور المشروعة كلها؛ كل صورة بمفردها، وفي وقت آخر، فلا ضير ولا مأخذ عليه .. كاستفتاح الصلاة، فللمرء أن يستفتح صلاته بـ ” اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ، كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الخَطَايَا، كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ، وَالثَّلْجِ، وَالبَرَدِ “، وله أن يستفتح صلاته بـ ” سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرَكَ “، وله أن يستفتح صلاته بـ ” وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا، وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ..”، وهناك أدعية وصيغ أخرى ثابتة، للمسلم أن يستفتح صلاته بما شاء منها، وله أن يستفتح في كل صلاة بدعاء مختلف، لكن لا يُسن أن يجمع بينها أو بين دعائين في صلاة واحدة .. هذا مثال أردنا منه توضح اختلاف التنوع، والأمثلة على هذا النوع من الاختلاف كثيرة.
       أما اختلاف التَّضَاد، مهما تعدد؛ فالحق فيه واحد لا يتعدد، يجب البحث عنه والتماسه؛ إذا حاشا الخالق سبحانه أن يحكم على الشيء الواحد بأنه خطأ وصواب .. باطل وحق .. حلال وحرام .. يجوز ولا يجوز .. موجود وغير موجود .. فهذا مما يتنافى مع أدلة النقل والعقل.
       فإن قيل: ما حكم الذين يختلفون في دين الله اختلاف تضاد، وتتعدد أقوالهم، وآراءهم في ذلك؟
       أقول: إن كان المختلفون من أهل العلم والاجتهاد، ممن يتحرون ويقصدون الحق من اجتهاداتهم، ثم أنهم أخطأوا الحق والصواب .. فهؤلاء لهم أجرهم على اجتهادهم، لا على خطئهم، يحسّن بهم الظن، وتُقال عثرتهم، ويُدعى لهم بالخير، لكن يبقى الرد والحوار مع اجتهاداتهم الخاطئة مفتوحاً، والبحث عن الحق الراجح من بين أقوالهم واجباً، إلى أن يظهر الحق، وتعرف أقرب الأقوال والاجتهادات إلى الحق المنزَّل.
       أما إن كان المختلفون فيما بينهم اختلاف تضاد من أهل الأهواء والبدع، والأغراض الباطلة .. فهؤلاء عليهم وزر من ثلاثة أوجه: من جهة نيتهم وقصدهم ومبعثهم على الخطأ والاختلاف، ومن جهة خطئهم ومخالفتهم للحق المنزل، ومن جهة إضلال من يتبعونهم ويقلدونهم .. فالوزر عليهم مغلظ.
       فإن قيل: فما القول والحكم في العوام الذين يتبعون عالماً أو قولاً من تلك الأقول مما يدخل في اختلاف التَّضَاد؟
       أقول: في هذه الحالة على العوام واجبين سهلين، يقدر عليهما كل أحد:
       أولهما: أن يتحروا عن أتقى، وأعلم أهل بلدتهم، أو من يستطيعون أن يتواصلوا معه .. فيتوجهوا له بالسؤال عما اختُلِفَ فيه من شؤون دينهم.
       ثانيهما: أن يسألوه عن جوابه لهم؛ هل هو موافق للشرع المنزَّل، أو هو الأقرب للشرع المنزَّل؛ قال الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فإن أجابهم بـ ” نعم “، فيأخذوا بقوله وترجيحه، ولا يضرهم بعد ذلك ولو لم يُصيبوا الحق فيما اختُلِف فيه؛ لأنهم اجتهدوا وسعهم وطاقتهم، في السؤال والبحث عن الحق، وليس عليهم وراء ذلك من حرج.
       وإن أجابهم بقوله: لا أدري، أو هو رأيي واجتهادي .. فحينئذٍ يتوجب عليهم أن يتوجهوا بالسؤال إلى غيره ممن يلتمسون فيه التقوى، والاستقامة، والعلم، الذي يجيبهم الجواب الموافق أو الأقرب للشرع المنَزَّل.

 

عبد المنعم مصطفى حليمة

أبو بصير الطرطوسي

 

مواضيع ذات صلة:

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.