موقع ملتزم بالتحاكم إلى الكتاب والسنة على ضوء فهم السلف الصالح بعيداً عن التعصب

الشرك

0 684

الشرك

        من المتأخرين والمعاصرين؛ ممن تعرّضوا لتفسير معاني كلمات القرآن الكريم، تراهم إذا مروا على كلمة “الشرك”؛ يفسرونها ويحصرونها بعبادة الأصنام والحجارة .. والمشركون هم الذين يعبدون الأصنام والحجارة .. وهذا حصر مخل بالمراد، غير صحيح .. لا يترتب عليه تبعات، ولا مُساءلة من قبل طواغيت الحكم والظلم .. فيه تلبس على الناس أمر دينهم .. ويجعل المشرك يقر عيناً، ويحسب أنه ممن يحسنون صنعاً؛ لأن شركه لم يأت ولم يكن من جهة عبادة الأصنام والحجارة …!

        الأرض مُتْخَمَةٌ بالطواغيت والفراعِنة؛ الذين يقولون ما قاله فرعون الأول: [وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي] القصص:38. [قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ] غافر:29. وهؤلاء لا يرون من الشرك إلا الأصنام والحِجارة …؟!

        الشرك أعم وأوسع بكثير من أن يُحصَر في عبادة الأصنام والحجارة .. الشرك؛ أن تجعل لله تعالى نداً في صفة أو خاصية من خصائصه سبحانه وتعالى .. أن تصرف العبادة، أو معنى من معاني العبادة، لغير الله تعالى، أيَّاً كان هذا الغير .. كالشرك الناجم عن عبادة الطاعة، والمحبة، والتَّحاكم، والدعاء، والخشية، والتوكّل .. والشرك الناجم عن تشبيه المخلوق بالخالق، وإضفاء صفات الألوهية والربوبية أو بعضها على المخلوق .. وقد يكون هذا المعبود من دون الله، حاكماً مطاعاً لذاته فيما يأمر، وينهى عنه، وفيما يحلل، ويحرّم من دون سلطان من الله .. وقد يكون مشرِّعاً من دون الله .. أو التشريع ذاته .. وقد يكون محبوباً لذاته يُعقَد فيه الولاء والبراء، والحب والبغض من دون أو مع الله .. وقد يكون الشيطان .. وقد يكون الهوى .. أو كاهناً يتكهن الغيب .. أو قبراً يُعبَد .. أو غير ذلك .. بحسب ما يقتضيه سياق الآية التي تتكلم عن الشرك والمشركين .. والأمانة العلمية تقتضي بيان ذلك .. أعاذنا الله وإياكم من جميع أنواع الشرك، ما ظهر منه وما بطن، ما عَلِمنا منه، وما لَم نَعْلَم.

 

عبد المنعم مصطفى حليمة

أبو بصير الطرطوسي

04/11/2021

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.